كان يفكّر ذات يوم في حيوان الفيل، وفجأة استوقفته فكرة حيرته، وهي حقيقة أن هذه المخلوقات الضخمة قد تم تقييدها في حديقة الحيوان بواسطة حبل صغير يلتف حول قدم الفيل الأمامية، فليس هناك سلاسل ضخمة ولا أقفاص، وكان من الملاحظ جداً أن الفيل يستطيع وببساطة أن يتحرر من قيده في أي وقت يشاء لكنه لسبب ما لا يقدم على ذلك! شاهد مدرب الفيل وسأله: لم تقف هذه الحيوانات الضخمة مكانها ولا تقوم بأي محاولة للهرب؟ حسناً، أجاب المدرب: حينما كانت هذه الحيوانات الضخمة حديثة الولادة وكانت أصغر بكثير مما هي عليه الآن، كنا نستخدم لها حجم القيد الحالي نفسه لنربطها به. وكانت هذه القيود - في ذلك العمر- كافية لتقييدها، وتكبر هذه الحيوانات معتقدة أنها لا تزال غير قادرة على فك القيود والتحرر منها بل تظل على اعتقاد أن الحبل لا يزال يقيدها ولذلك هي لا تحاول أبداً أن تتحرر منه. كان مندهشاً جداً. هذه الحيوانات التي تملك القوة لرفع أوزان هائلة تستطيع وببساطة أن تتحرر من قيودها، لكنها اعتقدت أنها لم تستطع فعلقت مكانها. هذه القصة تقاطعت في ذهني وأنا أفكر كيف سأرد أو أناقش من اعترض على مقال «احترام» الذي كان بدوره استعراضاً لآراء بعض القراء حول أمانة مدينة الرياض، وكنت أنوي «تطنيش» الموضوع حتى رأيت إعلانات لإقامة فقرات مسرحية للصم تنظمها الأمانة، تؤكد ما ذهبت إليه من تميزها فقلت مستعيناً بالله «ما بدهاش». بضعة رسائل تتهمني بمجاملة الأمين، ولاحظت أن اثنتين منها تركزان على موضوع منحي قطعة أرض، احدهما كتب بالنص «تجامل أمين الرياض لتحصل على منحة أرض في مكان جيد» وأعقبها بجملتين جارحتين. والحق أني لا أكره الحصول على قطعة ارض في «مكان جيد»، لكني للأسف لا استطيع لأن النظام يمنع تكرار المنح، وقد منحت بعد انتظار عقدين من الزمن قطعة أرض في مكان كانت كلفة الوصول إليه أغلى من قيمة الأرض، وهي كلفة صيانة السيارة بعد رحلة تسلمها، وأفيد القارئين الكريمين أني لو كنت اعلم أن الأمين يعطي قطعة أرض في مكان جيد في الرياض في مقابل زاوية صحافية تمتدحه، لكتبت «بلك» مقالات، وضحيت بزاوية «صباح الحرف» التي سيمحوها ميثاق الشرف الصحافي لجريدة الحياة الذي يعرفه الجميع. لكنني ولغبائي العقاري كنت أتحدث بأمانة عن الأمانة، وليس عن الأمين، والفرق واضح، ولا بد أن أتحرر من قيد الخشية من الثناء على الجهات المبدعة، بخاصة إذا كنت قد انتقدتها في سلبياتها. وضع على أذهاننا قيد صغير أن الجهات مرتبطة بالأشخاص، والصحيح أن الأشخاص يغدون ويروحون، وتبقى الأماكن، والتاريخ، لتشهد عليهم أو لهم، ومسرحيات للصم، لا بد أن يستمع لإيحاءاتها الجميع. [email protected]