في أسبوع واحد تقريباً، عرضت قناتان في بريطانياوهولندا برنامجين تسجيليين عن «القتل الرحيم»، أثارا جدالات صاخبة في الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي. والأخيرة، أصبحت مقياساً لا يُستغنى عنه لتسجيل ردود فعل المشاهدين العاديين على ما يُعرض في الشاشات. واللافت، أن الاعتراضات على البرنامجين التقت في تفصيلة نقد «التلفزيون» على المقاربة العاطفية التي انزلقت الى «الاستغلالية» لهذه القضية الحساسة، على رغم الاختلافات بين البلدين. ذلك أن هولندا تُعدّ من الدول الأولى في العالم التي شرعت القتل الرحيم، فيما لا يزال الرأي العام في بريطانيا يقف في مجمله ضد أي قوانين تسمح بالموت المُرتب، على رغم أن هناك من البريطانيين من يتوجه سنوياً الى واحدة من الدول الأوروبية التي تسمح قوانينها للمرضى الميؤوس من شفائهم باختيار توقيت موتهم وتحت إشراف طبي. يركز كلّ من البرنامجين على شخصيات معدودة، فيتابعها في أشهرها الأخيرة وحتى اللحظة النهائية لمفارقتها العالم. هذا من شأنه أن يزيد من عاطفية البرنامجين، بخاصة أنهما لا يكتفيان بتقديم المرضى فقط، بل يسجلان رحلات العذاب لعائلاتهم، وشكوك هؤلاء وتردّدهم حول الاختيار القاسي لأحبائهم. ينقل الفيلم التسجيلي «كيفية الموت: اختيار سايمون»، الذي عرض على الشاشة الثانية ل «بي بي سي»، التغييرات التي طرأت على آراء زوجة بطل الفيلم، رجل الأعمال الناجح سايمون بينير الذي أصيب بمرض أعصاب قاتل، وكيف أنها وبعدما كانت ضد رغبة زوجها، عادت لتدعمه، بعدما لمست الانهيار السريع المروع الذي طرأ على صحتة وفقده النطق. يتابع الفيلم البريطاني لما يقارب من عام كامل حياة «بينير» وعائلته، فنراه في بداية الفيلم والمرض لم يتمكن منه بعد، لنشهد بعدها وعبر زمن الفيلم تحوّله الى شبح للرجل الذي كان يوماً. وإذا كانت الشكوك راودت عائلة سايمون بينير حول خياره، فإن هذا الأخير كان واضحاً منذ البداية وبعدما عرف بنوع مرضه، بأنه يريد أن ينهي حياته بنفسه، فسافر مع عائلته الى سويسرا، التي أصبحت وجهة للذين لا تسمح السلطات في بلدانهم بالقتل الرحيم، ورتب هناك موعد الجلسة النهائية لحياته. لا يكتفي برنامج «عيادة نهاية الحياة» الهولندي، والذي عرض على شاشة القناة الحكومية الثانية، بشخصية واحدة، بل يأخذ ثلاث شخصيات من التي كانت تتردد على عيادة خاصة للقتل الرحيم في هولندا، ويتابعها كما يفعل البرنامج البريطاني، وحتى الساعات الأخيرة من حياتها، ماراً على الألم النفسي الذي يمرّ به المريض وعائلته، وكيف يتشكل قرار صعب جداً مثل قرار اختيار ساعة الموت. كما يوفر البرنامج الهولندي نافذة على حياة العاملين في عيادة القتل الرحيم تلك، وما يتركه عملهم من آثار على حياتهم، على رغم إيمانهم العميق بالمهمة الشديدة الجدليّة التي يتولونها. تبرز في البرنامج الهولندي، سيدة في الستينات من عمرها تبدو من الخارج بصحة جيدة، لكنها بدأت وبسبب مرض في الدماغ بفقدان قدرتها على تذكر الأشياء والأسماء، لتختار بما تبقى لها من رشد، الموت الرحيم. ستسمح هذه المرأة لكاميرا البرنامج بالوجود حتى اللحظة النهائية من حياتها وبعد حقنها بمواد كيماوية خاصة، وفي حضور أفراد عائلتها، ومنهم زوجها وأُمّها المسنَّة. ركز كثير من النقد الذي طاول البرنامجين على المشاهد التي صورت نهاية الشخصيات فيها. وعلى رغم أن فيلم «بي بي سي» لم يعرض الموت الفعليّ ل «بينير»، واكتفى بمشهد له وهو يحقن نفسه بالمواد القاتلة، الا أن التمهيد لتلك اللحظة جعل المشاهد النهائية في المستشفى عسيرة كثيراً على المشاهدة. في المقابل، يقدم البرنامج الهولندي النهاية المفصلة لإحدى شخصياته، من تلقّيها الحقنة الى غيابها عن الوعي، في مشاهد مُرعبة حقاً، لكنها كانت مُهمة، ووفق صانعي الفيلم، لإزالة الهالة التي تقترب من «التقديس» التي تحيط بالموت، وكيف أنه مثل عملية الولادة يمكن تصويره تلفزيونياً، والاحتفاء به كمقدمة للتعاطي العقلي معه.