احتفل قسم الفنون السمعية والمرئية - كلية الفنون الجميلة - جامعة بغداد بالذكرى الخامسة والعشرين لانطلاق اقدم مهرجان سينمائي - تلفزيوني في العراق. ولا شك في ان الاحتفال باليوبيل الفضي لمهرجان سينمائي في العراق امر في غاية التعقيد. فالمهرجان لم يتوقف مع الحرب العراقية - الإيرانية وحرب صواريخ المدن. ولم يتوقف طيلة فترة الحصار التي استمرت 13 سنة ابتداء من حرب الخليج الأولى، والوضع الأمني المضطرب الذي اعقب الحرب، ومن ثم الضربات الأميركية ما قبل 2003، ثم حرب الخليج الثانية والتي اعقبها الاحتلال الأميركي للعراق في 9 نيسان (ابريل) 2003، ثم الأوضاع التي تلت ذلك من تفجيرات وقتل على الهوية وتهجير. ان نظرة فاحصة لكل هذا تنبئ عن اصرار غريب على الاستمرار، وتفصح عن طينة استثنائية لقسم علمي يعتقد ان الفنون والأدب والثقافة لا تستمر الا في ظل حضارات عظيمة. والملاحظ هنا كون هذا المهرجان الفني المستمر على رغم كل الظروف هو المهرجان السينمائي - التلفزيوني الوحيد الذي يؤكد ان السينما العراقية ما زالت حية ونابضة بالإبداع من ناحية. ومن ناحية اخرى فإن كل السينمائيين والتلفزيونيين العراقيين خرجوا من معطف هذا المهرجان الذي من خلاله وصلت الإبداعات العراقية الى المهرجانات المماثلة في الوطن العربي والعالم. ولا يسع المرء هنا الا ان يتساءل: ماذا لو كانت امكانات المهرجان اكثر مما هو متاح؟ ماذا لو كان هناك فيلم سينمائي خام ومعامل طبع وتحميض واستوديو تلفزيوني محترف؟ ماذا لو كان العراق مستقراً؟ ماذا لو نظرت الجامعة ووزارة التعليم العالي الى الثروة التي بين ايديها كون الجامعة لا بد وأن تكون ذات صلة عالية بالمجتمع. ان نظرة فاحصة ترينا ان كل الفضائيات العراقية ومعظم فضائيات الوطن العربي تستفيد من الطاقات البشرية التي اعدها قسم الفنون السمعية والمرئية. وفي هذه السنة عرض القسم خمسين عملاً ابداعياً لطلبته: مشاريع التخرج لطلبة الصفوف المنتهية، وبعض محاولات طلبة الصفوف غير المنتهية. صحيح ان تقويم المهرجان للأفلام الفائزة قد لا يتفق عليه بالاجماع، لكن لجنة التحكيم التي تضم اساتذة الدروس الأساسية في القسم في الإخراج والتصوير والمونتاج وغيره، تحاول ان تكّون آراؤها عبر وضع درجات كل على حدة، ومن ثم استخراج الوسط الحسابي الذي يبرز اكثر الأفلام درجة. وبمثل هذا الإجراء فإن المزاجية تكاد ان تكون صفراً لأن اللجنة لا تكتفي بوضع الدرجات بل تناقشها بأسلوب علمي. تطرح الأفلام المشاركة بالمهرجان جملة امور منها: التصدي وفي شكل يكاد يكون غالباً لمفردات عراقية يومية مثل الإرهاب، التهجير، الفقر، الحياة اليومية. وفي كل مهرجان تبرز هنا وهناك افلام فيها مسحة من التجريب والغرائبية. ولكن يبقى هذا استثناء، من هنا السؤال: لم هذا الانحياز لليومي؟ في افلام الطلبة يبدو وكأن الملاحظات التي طرحت على افلام السنين السابقة هي نفسها من حيث ضعف الإمكانات التقنية والبشرية. فالإضاءة في الغالب تعتمد على الاعيب الكمبيوتر في المؤثرات الصورية - الصوتية، ما يجعل النتاج وكأنه لعبة. اما التمثيل فيقترب من المسرح، وبخاصة حين يستعين الطالب بممثل مسرحي محترف. وما يلفت النظر، ايضاً، افتقار المهنية في كتابة السيناريو في معظم الأفلام، ناهيك عن جماليات الكتابة من حيث شروط كتابة المشهد والعلاقة بين لقطاته وعلاقة المشهد بالذي يسبقه والذي يليه. كذلك شروط الصراع ودرامية الشخصية والحدث، وكيف يمكن ان يكون المشهد رئيساً او ان يكون صغيراً، وعناصر القصة السينمائية والحبكة ومن ثم المبنى الحكائي وعلاقته بالمتن. لقد شهدت هذه السنة فيلماً بإمكاناتٍ تقنية على غير ما ألفت دورات المهرجان السابقة. إذ وفّرت الجهة التي ساعدت احد الطلاب طائرات سمتية وآليات عسكرية وطاقماً بشرياً مجهزاً بالعدة اللازمة... لكن السيناريو الذي لم يستجب لشروط الكتابة حتى التي درسها الطالب نفسه يؤكد القول ان الكتابة الجيدة من الممكن ان تخلق فيلماً جيداً، وأن المشكلة ليست في الإمكانات الهائلة لكنها في روح الفن. أياً يكن الأمر، يبدو من الأفلام المعروضة ان الطلاب يتعاملون في الغالب بسهولة في انجاز أفلامهم. هنالك مشاهد غير مشبعة، او لقطات لا تحافظ على الفعل ورد الفعل، او عدم وجود جملة سردية سينمائية من اللقطة العامة ثم المتوسطة ثم اللقطة القريبة. كما ان أصول المونتاج من حيث قدرته التعبيرية او الروائية والإرهاف السايكولوجي، يأخذ بجهود غالبية الطلاب الى نهايات معروفة وإيقاعاتٍ مملة وغموض أحياناً. وعلى رغم كل شيء، فإن ما أنجز يثير الانتباه الى فئة طالبية متميزة في بلد يعتقد كثر أنه لا يحيا الا على طبول الحرب والغموض السياسي.