أقرت صحيفة «موسكو تايمز» الروسية بأن اقناع الغربيين بسياسات موسكو «معركة شاقة»، ذلك أن فلسفة البروباغندا الروسية ترتكز على مهاجمة الغرب، وتقويض أخبار قادته وإثارة مشكلات وخلافات داخل المجتمعات الغربية. ووفقاً للمحلل الروسي فاسيلي غانوف «ان اقوى ادوات الكرملين هي قناة «روسيا اليوم» التي تعمل وفق نموذجها الخاص». ويقول: «الجميع يكذبون ولا حقيقة... وسائل الميديا الاوروبية لا تملك التنسيق الذي تبديه الميديا الروسية في العمل على المسألة كأنها تلقت الأمر بذلك». وذكرت صحيفة «ذا غارديان» البريطانية ان المواجهة الدائرة بين روسيا والغرب ستتأثر بالطرف الذي سيربح الحرب الدعائية وينتصر على الجيش الالكتروني. الحرب الالكترونية تعني مجموعة من الأدوات التي تنفذ بهدف الاستطلاع الالكتروني للنظم والوسائل الالكترونية المعادية، وإخلال عمل هذه النظم، ومقاومة الاستطلاع الالكتروني المعادي، وتحقيق استقرار عمل النظم الالكترونية الصديقة. وأشار ألكسندر بارتوش مدير المركز الإعلامي لشؤون الأمن الدولي لدى جامعة اللسانيات الوطنية في موسكو إلى أن «التهديدات الهجينة» تجمع طيفاً واسعاً من الظروف والنوايا العدائية، مثل الحروب الإلكترونية، وسيناريوات النزاعات غير المتكافئة المنخفضة الكثافة، الإرهاب الدولي، القرصنة، الهجرة غير الشرعية، الفساد، النزاعات الإثنية والدينية، التحديات الديموغرافية، الجريمة المنظمة العابرة للقوميات، مشكلات العولمة وانتشار أسلحة الدمار الشامل. ميديا مبتكرة لقلب الحقائق دخلت الحرب الاعلامية الروسية ضد الغرب مرحلة جديدة مع ابتداع خبراء الميديا والدعاية الروس لطريقة مبتكرة تقوم في شكلها ومحتواها على استخدام ما تتيحه وتوفره شبكة الانترنت من امكانات ووسائل بإقامتها مواقع الكترونية بلغات متعددة تقوم بفبركة أخبار وقصص متنوعة متخيلة لا علاقة لها بالواقع ونشرها والترويج لها في الدول الأوروبية بهدف إثارة مجتمعاتها وأحزاب المعارضة ضد الحكومات. أحد هذه المواقع التي تعد بالمئات نشر خبراً يتحدث عن قرار مزعوم اتخذته المفوضية الأوروبية يقضي بمنع تعميد الأطفال في الكنائس، ما ولّد ردود فعل حادة للمؤسسات الدينية والكنسية في الدول الاعضاء واحتجاجات شعبية أفردت لها وسائل الاعلام الاوروبية حيزاً من الاهتمام بتخصيصها برامج حوارية شارك فيها محللون وسياسيون وممثلون للمجتمع المدني. ولكن ظهر لاحقاً ان لا وجود لهذا القرار وان الأمر كله ليس إلا فرقعة إعلامية، واتضح ان الخبر اعتمد على واقعة حقيقية وهي ان إمراة ايطالية رفضت تعميد طفلتها المولودة حديثاً. في السياق نفسه، نشر موقع آخر في برلين قصة أحدثت ضجة في أوساط الجالية الروسية في ألمانيا تتحدث عن اختطاف مجموعة من اللاجئين القادمين من الشرق الاوسط فتاة روسية عمرها 13 سنة واغتصابها لأيام متتالية. إلا ان الشرطة لم تتحرك وتتخذ الاجراءات المطلوبة بعد علمها بالحادث وفضلت التكتم على الفضيحة لعدم إثارة الرأي العام ضد اللاجئين. وبعد ساعات على انتشار الخبر في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي خرج آلاف من المهاجرين الروس في برلين في تظاهرات احتجاج ضد الشرطة لتقاعسها عن حماية مواطني البلاد وتقديم المجرمين الى العدالة. وظهر لاحقاً ايضاً ان القصة مختلقة ومفبركة ولكن بعد فوات الأوان. التيارات القومية المتشددة مثل «بيغيدا» و «البديل من أجل المانيا»، تلقفت الحدث حتى من دون التيقن من صحته، ونظمت هي الأخرى تظاهرات واحتجاجات في برلين ومدن أخرى تطالب الحكومة بطرد اللاجئين والتوقف عن قبول مزيد منهم في المانيا، وأجرت محطات التلفزة التي كانت كاميراتها تتابع التظاهرة مقابلة مع امرأة المانية من اصول روسية ادعت انها عمة الصبية تحدثت فيها عما تعرضت له ابنة اخيها من وحشية وقسوة على أيدي اللاجئين العرب، ليتبيّن لاحقاً أنها ليست عمة الصبية ولا تعرفها حتى، وإنما هي نائبة رئيس فرع «بيغيدا» في المدينة. لم تنتهِ المسألة عند هذا الحد، فبعد أيام انتشر خبر جديد عن مهاجمة 400 روسي معسكراً للاجئين في مدينة كارلسروه وانهالوا بالهراوات على اللاجئين من الرجال الذي يقيمون فيه. ومصدر هذا النبأ كان الموقع الروسي الالكتروني «سفرشينوا سيكريتنو» وتعني «سري للغاية». وكانت شرطة برلين اصدرت بياناً لإيضاح الأمر وزعته على الصحف ووسائل الإعلام الأخرى تنفي فيه وقوع عملية اختطاف او اغتصاب لبنت عمرها 13 سنة من اصول روسية، وكذلك الهجوم على معسكر اللاجئين، موضحة ان اربعة اشخاص ألقوا حجارة على شبابيك المعسكر متسببين بخسائر تقدر ب 300 يورو. ما يربط بين الخبرين الأخيرين وقصة قرار حظر التعميد هو انها مختلقة ومفبركة الا انها تتأسس على حوادث حقيقية ولكنها مختلفة تماماً بشكلها ومحتواها، ويقف وراء اعادة نشرها لمرة ثانية موقع روسي آخر يحمل اسم genosse.su وهو ناطق باسم منظمة مجهولة هي «اتحاد المواطنين السوفيات الألمان»، وعنه نقل التلفزيون الرسمي الروسي هذا الخبر وكرره في كل نشراته الاخبارية. والغريب ان احداً لم يسمع من قبل بهذه المنظمة، ومع ذلك فإن الموقع نجح في حشد اكثر من 700 روسي في برلين تجمعوا قرب مبنى الاستشارية الالمانية مطالبين بإغلاق الحدود أمام اللاجئين رافعين لافتات كتب عليها «لا للعنف الجنسي». فوضى معلوماتية هذا ليس إلا عدداً قليلاً وقليلاً جداً من الأمثلة على جزء محدد من الفوضى المعلوماتية في الفضاء الالكتروني خلال السنوات الأخيرة. ويرى بعض الخبراء في هذا الشكل من الدعاية مؤامرة تديرها روسيا بإنفاق ملايين الدولارات سنوياً في اطار «الحرب الهجينة»، فيما يعتبرها آخرون «خليطاً من انعدام الحرفية الصحافية مع كمية كبيرة من المزاج الشخصي لأشخاص يقفون وراء كتابة الأخبار والمواضيع المنشورة». يتميز هذا النوع من المواقع بغلبة الأخبار الكاذبة والتحقيقات الباهتة، وفي أحيان قليلة للغاية بنشر مواد صحافية ذات محتوى أصيل، ولكن من دون التقيد بالقواعد الأساسية والعناصر البديهية في العمل الصحافي. الميزة الثانية هي ان مالكي هذه المواقع مجهولو الهوية، وقد يكون احد الناشرين شخصاً ليست له علاقة بالعمل الصحافي او شركة يعمل فيها شخص واحد كما يظهر من الوثائق. وتقول الخبيرة في «مركز الديموقراطية الاعلامية» في صوفيا نيكوليتا داسكالوفا ان «هذه المواقع عدا كونها لا تعمل وفقاً للقواعد المألوفة في النشاط الصحافي، فهي تنسف ثقة الجمهور بالصحافة ككل». وأضافت ان «وكالات الأنباء العالمية تحرص على حماية مكانتها وسمعتها، ولهذا فهي لا توزع او تنشر إلا الأخبار والمعلومات الموثوقة جداً لمعرفتها الأكيدة بأن ثقة الجمهور بالميديا هي العنصر الاساس الذي يحدد مواصلة شرائها او دفع مبالغ الاشتراكات السنوية». فضائح جاذبة تجذب المواقع الالكترونية التي تنشر الاخبار والفضائح، وتشوه الحقائق والوقائع العدد الأكبر من القراء الذين يقبلون على قراءتها بنهم بسبب تركيزها على طابع الإثارة واستفزاز غريزة الفضول لديهم في شكل عام. ووفق نائبة رئيس «رابطة الصحافيين الاوروبيين» ماريا تشيريشفا فإن «هذه المواقع تصبح جاذبة لشركات الاعلان، بل حتى وعلى مستوى تلقائي تحصل على الاعلانات بواسطة «غوغل»، ما يضع المواقع الالكترونية والصحف الاخرى في منافسة غير متكافئة ومجحفة لأنها تستثمر الاموال والجهود لانتاج مادة صحافية جديرة ونوعية». وتضيف: «الأمر الأكثر خطورة هو ان هذه النوع من الميديا يحرم الجمهور من حق اساسي في الوصول الى المعلومة الحقيقية وبهذه الطريقة فهي تقوض سمعة ومكانة الصحافة ككل، كما تنسف ثقة الجمهور بالميديا بكل انواعها». تخوض روسيا ضد الغرب الحرب الهجينة حيث يُستخدم ما يسمى بالهجوم المعلوماتي الذي يمكن أن يستمر لمدة تتراوح ما بين 5 و10 سنوات، وفي هذه المرحلة تتشكل في البلد الذي يتعرض للهجوم قوى معارضة للسلطة من إعداد الشباب ذوي الميول الغربية، ثم يجري الضغط الخارجي من خلال الوسائل الاقتصادية، بهذه الصورة تُمهَّد التربة لتغيير النظام. وكقاعدة، فإن استخدام الوسائل العسكرية يكون في حده الأدنى، أو أنه يجري تنفيذها على شكل هجمات موجّهة من بعد من دون استخدام قوات برية». أنشأ الكرملين مؤسسة متخصصة في الحرب الهجينة تحمل «المركز الوطني لإدارة الدفاع» في العام 2014، ومن الناحية العملية فإن ذلك يعد وسيلة نوعية جديدة للمراقبة والتحليل الشامل والتأثير السريع في التهديدات المحتملة للأمن القومي. وفي حديث إلى موقع «روسيا ما وراء العناوين» قال الخبير والمحلل العسكري ميخائيل تيموشينكو: «إذا ما أخذنا في الاعتبار الجوانب الثلاثة لخوض الحرب الهجينة: الاقتصادي والإعلامي والعسكري، فإن روسيا مستعدة للمواجهة على اتجاهين، فمن الناحية الاقتصادية، يصعب إخضاعنا، لأننا نملك خبرة كبيرة في الصمود منذ زمن الاتحاد السوفياتي، حين كان الحصار أصعب بكثير».