بعد يوم من إسقاط عضوية النائب السابق توفيق عكاشة في البرلمان المصري، بعد استقباله السفير الإسرائيلي لدى القاهرة حاييم كورين في منزله، قرر مجلس إدارة المنطقة الحرة الإعلامية وقف قناة «الفراعين» التي يمتلكها عكاشة لمدة عام «لمخالفتها ميثاق الشرف الصحافي والمهني، وبثها مغالطات تهدد الأمن القومي المصري»، في مؤشر واضح على أن سبب إبعاده من المشهد يتخطى استضافة السفير الإسرائيلي في منزله. وأسقط البرلمان عضوية عكاشة بغالبية تخطت ثلثي أعضائه، بعد أيام من الجدل حول اللقاء وما تبعه من تصريحات مثيرة لعكاشة أطلقها عبر فضائيته ونال فيها من دول عربية تؤكد القاهرة دوماً الحرص على علاقاتها معها. ولم تصدر أي جهات رسمية مصرية أو إسرائيلية تعليقات على قرار البرلمان. لكن السفير الإسرائيلي في القاهرة نشر قبل القرار بساعات تصريحات مصورة قال فيها انه التقى صحافيين قبل مقابلة عكاشة. ومعروف أن لقاء السفير الإسرائيلي أي شخصية مصرية لا يتم إلا بعلم الجهات الأمنية، والعلاقات بين القاهرة وتل أبيب غالباً ما تُدار خلف الكواليس، عبر الاستخبارات، وتبقى على المستوى الشعبي عند حدها الأدنى، ولا تخرج إلى العلن. وأتى لقاء عكاشة بعد مواقف مثيرة للجدل، فالنائب السابق عُرف بعلاقاته الوثيقة ببعض أركان نظام الرئيس السابق حسني مبارك ثم بعض قيادات المجلس العسكري الحاكم بعد الثورة، ثم دعمه النظام الحالي، لكن بعد خسارته معركة رئاسة البرلمان بهزيمة ساحقة، راح ينتقد الحكم في شدة ودعا إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وحل البرلمان. وقبل أيام، سلم الديبلوماسي المصري حازم خيرت أوراق اعتماده سفيراً لبلاده في إسرائيل إلى الرئيس ريئوفين ريفلين، للمرة الأولى منذ استدعاء السفير السابق قبل أكثر من ثلاثة أعوام. وكان الرئيس السابق محمد مرسي عيّن سفيراً لبلاده في إسرائيل للمرة الأولى منذ الثورة بعد توليه السلطة بشهور، لكنه استدعاه في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة. وأثار إسقاط عضوية عكاشة من البرلمان تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين مصر وإسرائيل، قلل منها ديبلوماسيون سابقون. ورأى السفير السابق مصطفى الفقي أن تلك الواقعة «لن يكون لها تأثير» على العلاقات بين القاهرة وتل أبيب. وقال ل «الحياة»: «توفيق عكاشة أسقطت عضويته من البرلمان لأسباب عدة، ليس أهمها اللقاء مع السفير الإسرائيلي. القرار يرجع إلى أسباب عدة، فالناصريون رأوا ضرورة إسقاط العضوية لأنه هاجم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والعروبيون أيدوا الأمر لأنه هاجم دولاً عربية شقيقة (السودان والمملكة العربية السعودية)، ودوائر النظام رأت أنه تطاول على رمز الرئيس ولو في شكل غير مباشر». وأضاف الفقي أن «كل هذه الأسباب أدت إلى إطاحة عكاشة. أما مقابلته السفير الإسرائيلي فليست ذات بال، فما أكثر من قابلوا السفير الإسرائيلي... سفير إسرائيل السابق دخل مؤسسة الأهرام» الصحافية المملوكة للدولة. واعتبر أن «لقاء عكاشة السفير الإسرائيلي سبب ظاهري فقط لإسقاط عضويته، لكن قطعاً ليس هو السبب. إسرائيل دولة لنا معها اتفاقية سلام، وسفيرنا استقبل فيها الشهر الماضي بالموسيقى، وليس كل من استقبل السفير الإسرائيلي فُصل من موقعه، أرى أن عكاشة أطيح به بسبب مُجمل أعماله». ويتسق رأي الفقي مع حديث رئيس البرلمان علي عبدالعال أول من أمس أثناء التصويت على إسقاط عضوية عكاشة، وتأكيده المتكرر أن البرلمان ونوابه ملتزمون بالمواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعتها مصر، وعلى رأسها اتفاقية السلام مع إسرائيل، وإشارته إلى أن عكاشة «صدرت منه تصرفات أثرت على مؤسسات الدولة، ونُسبت أفعاله إلى البرلمان». واتفق وزير الخارجية السابق النائب محمد العرابي مع الفقي على أن إطاحة عكاشة سببها الأساس «مجمل تصرفاته منذ نجاحه في انتخابات البرلمان». وقال ل «الحياة» إن «تلك الواقعة لن تُسبب أضراراً في العلاقات مع إسرائيل، لأن إسرائيل تعي تماماً أن موضوع التطبيع مرفوض شعبياً، لكن يُمكن أن تستغل إسرائيل الأمر سياسياً للإساءة إلى مصر في المحافل الدولية. العلاقات لن تتضرر لأنها أصلاً تتحمل أضراراً. لن يؤثر الأمر على تواجد السفراء ولا اتصالاتهم. وإسرائيل تعلم جيداً أن الشعب المصري لا يقبل التطبيع». وقال العرابي، رداً على ما أثير عن أن العقوبة قاسية، إن «المجلس يجب أن يتطهر من مجموعة من الشخصيات. أعتقد أن هذه الخطوة كانت جريئة وضرورية بغض النظر عن موضوع لقاء السفير. القصة ليست قصة أنه التقى السفير. صراحة الأمر يتعلق بمجمل تصرفاته. منذ انتخابه وهو يأتي بإرباكات. الدولة لا تتحمل الأنا وشخصنة الأمور». ورأت الخبيرة في العلاقات المصرية - الأميركية هالة مصطفى أن الواقعة لن تؤثر في شكل كبير في مسار العلاقات بين مصر وإسرائيل. وواجهت مصطفى قبل سنوات أزمة مماثلة بعدما التقت السفير الإسرائيلي السابق في مبنى مؤسسة «الأهرام»، ما أثار جدلاً في الوسط الصحافي حينها، انتهى بإنذارها من قبل نقابة الصحافيين، لخرقها قرار النقابة مقاطعة إسرائيل. وقالت مصطفى ل «الحياة»: «أعتقد بأن واقعة عكاشة تصب في نفس الاتجاهات القائمة من قبل. الأمر مجرد إضافة حال جديدة إلى حالات أخرى متعددة. نوع من التراكم السلبي». وأضافت أن «قرار إسقاط العضوية قاسٍ، ولا يستند إلى إجراءات قانونية أو دستورية سليمة، خصوصاً أن هناك معاهدة سلام مع إسرائيل، وما أقدم عليه عكاشة يدخل في نطاق الأمور الخلافية، ووجهات النظر بين الرافضين والمؤيدين. من الناحية القانونية ليس هناك ما يجرم سلوكه ومن الناحية الدستورية لا يوجد ما يوجب إسقاط عضويته».