لم تختلف الجلسة ال36 المفترضة لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية عن سابقاتها إلا في الشكل، إذ تميزت أمس بمشاركة زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري للمرة الأولى وما رافقها من حشد نيابي سجل رقماً قياسياً بلغ 72 نائباً، لكنها لم تلامس سقف النصاب المطلوب لانعقادها، وإن قاربته، (86 نائباً ثلثا أعضاء البرلمان) بفعل الموقف السياسي الإقليمي المتحكم بالاستحقاق الرئاسي عبر امتداداته اللبنانية. لكن اللافت، للجلسة الثانية على التوالي، كان غياب المرشحين للرئاسة رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون، ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، فيما حضر المرشح الثالث النائب هنري حلو، ما حدا بنائب رئيس البرلمان، فريد مكاري إلى ممازحة رئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط، قائلاً له: «خلينا نعقد الجلسة، واترأسها، وأعلن فوز النائب حلو بأكثرية النصف زائداً واحداً». ورد جنبلاط: «اتركنا، خلينا نروح نتغدى بالبيت». وقبل موعد الجلسة المحددة عند الأولى ظهراً، بنحو ربع ساعة وصل الرئيس الحريري محاطاً بنواب من كتلة «المستقبل» تبعه مباشرة جنبلاط مع أعضاء كتلته ودخلوا إلى مكتب رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وعقد لقاء تشاوري، توجهوا بعده، باستثناء بري، إلى قاعة الجلسات التي شهدت لقاءات وحلقات متنوعة، نشط خلالها الحريري في حركة لافتة، وراح يوزع قبلاته على غالبية النواب. وبعد انتظار نصف ساعة، دخل الأمين العام للمجلس النيابي عدنان ضاهر إلى القاعة فتلا بياناً مقتضباً باسم بري أشار فيه إلى انه «بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني أرجأ رئيس المجلس الجلسة إلى الثانية عشرة ظهر يوم الأربعاء في 23 آذار (مارس) الجاري». وكان لافتاً ايضاً غياب الرئيس نجيب ميقاتي والنائبين محمد الصفدي واحمد كرامي في حين غاب الوزير نهاد المشنوق لوجوده في تونس للمشاركة في مؤتمر وزراء الداخلية العرب والنائب عقاب صقر الموجود اصلاً في الخارج. وغابت ايضاً النائب ستريدا جعجع. وبعد إعلان الإرجاء أكد مكاري لدى مغادرته البرلمان أن «حجم الحضور النيابي اليوم يثبت كم هي رغبة اللبنانيين في انتخاب رئيس الجمهورية». وقال: «من المؤسف جداً أن الأشخاص المعنيين بانتخاب الرئيس وخصوصاً المرشحين البارزين لهذا الموقع لم يكونوا موجودين ما يعطي الجلسة نقطة ضعف كبيرة. الحمد لله أن النائب هنري حلو وهو أحد المرشحين حضر وأعطانا تبريراً للمجيء إلى هذه الجلسة وأعطاها نوعاً من صيغة الجدية، وكنا نتمنى أن يكتمل النصاب من أجل هذه المهمة». أما الرئيس الحريري فتوجه إلى غرفة الصحافة وعقد مؤتمراً صحافياً قال فيه: «الحضور في جلسة اليوم كان قريباً للنصاب القانوني، لكن لم يكتمل وآمل بأن تتوصل في الجلسة المقبلة إلى انتخاب رئيس ويحضر النواب الذين غابوا لممارسة حقهم الدستوري لكي ينتخبوا رئيساً، وأتمنى وآمل من النواب الكرام بألا يتركوا هذا الفراغ الذي يقتل لبنان كل يوم». وعن تصنيف مجلس التعاون الخليجي «حزب الله» بالإرهابي قال: «لا شك أن حزب الله يقوم بنشاطات وبأمور يفترض أن لا يقوم بها، وما يقوم به سواء في اليمن أم في المملكة العربية السعودية أم في كل المنطقة العربية أدى إلى هذا التصنيف. هذه ليست المرة الأولى التي يصنف بها حزب الله بالإرهابي. تعرفون في أميركا حزب الله يعتبر منظمة إرهابية، وكذلك في أوروبا يعتبرون الجناح العسكري للحزب إرهابياً، وهذا كله بسبب الأعمال التي يقوم بها حزب الله». وعن غياب مرشحه فرنجية عن الجلسة قال: «الوزير سليمان فرنجية صرح أمس وبوضوح وهذا في إطار خصوصية الديموقراطية اللبنانية، وأنا أتفهم هذا الأمر ويمكن الأمور لم تنضج بعد في بعض الأماكن، وأنا لا أتهم الجميع بالتعطيل، لكن هنالك أموراً، خصوصاً في موضوع انتخاب رئيس الجمهورية، يفترض أن تتبلور لدى بعض الفرقاء ونأمل بأن تتوضح قريباً في الجلسة المقبلة». قيل له: تردد أن لديك موقفاً آخر من المبادرة التي أطلقتها بتسمية فرنجية. قال: «سأتمسك بسليمان فرنجية أكثر، فإذا كان أحد ذهب تفكيره إلى مكان آخر، أنصحه أن لا يذهب». وعن إعلانه استمرار الحوار مع «حزب الله» وفي الوقت نفسه هناك مواقف تصعيدية من تيار» المستقبل» أجاب: «على كل حال لا أحد يقصّر من الفريقين. الحوار مهم خصوصاً في حال الخصومة، فإذا أردتم الحوار من أحاور؟ أحاور الكتائب أو أحاور القوات اللبنانية أو الخ. الحوار يفترض أن يكون مع الذين عندنا مشكلة معهم، والحوار هنا مع حزب الله، لأننا على خلاف في وجهات النظر، ويمكن للبعض أن يفكر بأن هذا الحوار لم يصل إلى نتيجة، ولكن أؤكد أنه سيصل إلى نتيجة لأن حزب الله سيكتشف أنه اتخذ بعض المواقف التي تسيء للبلد ونحن سنكمل في هذا الحوار أولاً بسبب رفضنا لأي فتنة في البلد وثانيا لأننا مؤمنون بأن السبيل الوحيد هو الحوار بين كل الأطراف وخصوصاً مع الأطراف الذين هناك مشكلة معهم». قيل له: هل توافق على تصنيف «حزب الله» بالإرهابي قال: «أولاً لا علاقة لي بهذا التصنيف. حزب الله من زمان مصنف كمنظمة إرهابية ونحن كنا نتحاور معه وما زلنا، وهذا الشيء له علاقة بالوضع الداخلي في لبنان ولم يتغير شيء بالنسبة إلينا وإلى هذا التصنيف الجديد. أما بالنسبة إلى الأعمال التي يقوم بها حزب الله في سورية أو في اليمن فتعرفون جيداً أننا ضد هذه الأعمال وأنا أصنفها بالأعمال الإجرامية وغير القانونية. وحتى أصنفها بالإرهابية أيضاً، أما في ما خص الوضع الداخلي في لبنان فنحن سنتعاون مع حزب الله ومع الجميع لتحصين الوضع الداخلي في لبنان». وعما إذا كان يعتبر ما قاله الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله أمس، تهدئة للشأن الداخلي قال: «في كلام السيد أمس جزء (تهدوي) للتهدئة، وجزء تصعيدي». وعما إذا كان يتخوف من فتنة مذهبية، سأل: «هل من أحد لا يتخوف من فتنة داخلية؟ وأنتم تعيشون في هذا البلد ألا تتخوفون من الفتن المتنقلة؟ وهذا نعمل على تجنبه نحن والرئيس نبيه بري ومع كل الفعاليات السياسية. ونحن نرى ضرورة تحييد لبنان وتجنيبه الحريق الذي يحصل في سورية ومنع وصوله إلى لبنان. لذلك نحن اتخذنا قراراً سياسياً بالتهدئة في الداخل وبالنسبة إلينا الحل الوحيد لتعود الأمور إلى نصابها الطبيعي هو انتخاب رئيس». قيل له: هل ستحضر جلسة 23 آذار؟ فقال: «بالطبع سأحضر وأنا باق هنا». وعلى هامش الجلسة وفي دردشة مع الصحافيين قال رئيس كتلة «المستقبل» النائب فؤاد السنيورة، بعد لقائه عضو كتلة «القوات» النائب جورج عدوان حول موضوع الحوار مع «حزب الله»، أنه «حتى يكون له طعم ولون ورائحة يجب أن يشعر الجميع بأنهم مشاركون في الحوار وهناك بعض التقدم، مؤكداً أنه مع الحوار لأنه «الخيط الرفيع الذي يبقي التواصل، ولكن غير ممكن أن نرى هذا الذي جرى مذ عشرة أيام في السعديات، نحن نعرف أن هذه الأمور لا تحصل إلا بإيعاز أو إدارة». وعن تصنيفه لخطاب نصرالله، قال: «شعرت بالارتياح في أول ربع ساعة ثم انتقلت إلى حالة خيبة شديدة، لا سيما أنه اعتبر أنه يوم تاريخي في حياته مع بدء عاصفة الحزم أكثر من صراعه مع إسرائيل»، موضحاً أن «الأمر الثاني شعرت كم أن سماحة السيد يستهين بعقول اللبنانيين والعرب عندما تحدث مطولاً عن الموضوع المتعلق بالقتلى والجرحى والدمار في اليمن، وأحببت أن يشير قليلاً إلى أن في سورية 350 ألف قتيل وأكثر من مليون جريح ونصف الشعب السوري مهجر في أرضه وخارجها». «ثلث يخطف الدولة» بدوره رأى رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل بعد رفع الجلسة أن «في لبنان ثلثاً خاطفاً للدولة، يقول للبنانيين إما أن يحكم هذا الثلث وإلا فلا مؤسسات. وقال: «شبعنا مناورات. فمن غير المعقول أن يحضر الجلسة الانتخابية 75 نائباً لينتخبوا مرشحين غير موجودين، فإذا رغب المرشحون في الفوز بكرسي الرئاسة، فليتفضلوا لممارسة اللعبة الديموقراطية وليحضروا الجلسة، فمن يتغيب عن حضور جلسة انتخابية يأخذ لبنان واللبنانيين رهينة، وعلى الكتل السياسية إعادة النظر في طريقة التعاطي المعتمدة مع الاستحقاق، فهي معيبة بحق شعبنا». واعتبر أن «حكومة معطلة وعاجزة كلياً لا تستطيع أن تكون بديلاً من رئيس الجمهورية»، لافتاً إلى أن «السلطة في واد والناس في واد». وكان بري الذي حضر إلى ساحة النجمة لبعض الوقت، سارع للعودة إلى مقر الرئاسة الثانية، حيث عقد لقاء الأربعاء النيابي. ونقل نواب عنه تشديده على «ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، وعلى أهمية التوافق لإنجاز هذا الاستحقاق في أقرب وقت ممكن». وأكد «أن ليس هناك أي مبرر لعدم إجراء الانتخابات البلدية، ولا بد من إجرائها في موعدها». وقال بري أنه على ضوء زيارة الوفد النيابي واشنطن سيتابع موضوع الإجراءات والضغوط المالية الأميركية من أجل حماية الاقتصاد والنظام المالي اللبنانيين، مشيراً إلى «زيارة مرتقبة لوزير المال علي حسن خليل للولايات المتحدة للغاية نفسها»، وداعياً إلى «سحب السجال حول العروبة من الاستخدام السياسي طالما أن هذا الأمر منصوص عليه في مقدمة الدستور اللبناني، وهو أمر مسلَم به، وهذا النقاش في غير محله».