لا شك أن ترشيح رئيس حزب "القوات" اللبنانية سمير جعجع لخصمه السياسي رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون؛ ينطوي على جديّة كبيرة، لكنه بالأساس أتى في سياق تشكيل جبهة سياسية معارضة لخيار رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري، بترشيح رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية، إلا أن ما حصل يعد ديموقراطية سياسية واضحة المعالم، إلا أنها تعيد بنا الذاكرة إلى العام 1970 حينما فاز سليمان فرنجية الجدّ بفارق صوت على حاكم مصرف لبنان الياس سركيس، وسط عملية برلمانية ديموقراطية بحتة، فهل يعيد لبنان من جديد تجربة سركيس-فرنجية، أم ما يحصل هو حرق لمرشحي الصف الأول، تمهيداً لطرح أسماء جدد تحظى بتوافق الجميع، وهل كسب عون لأصوات المسيحيين من حزب "القوات" سيُخسره أصوات نواب "حزب الله"، وماذا عن رأي "الإيراني" الذي ليس لديه رغبة صادقة بانتخاب رئيس للبلاد؟ وهل الاستحقاق الرئاسي سيكون نتاجا لبنانيا أم ما يحصل يؤكد أن هذا الاستحقاق مؤجل وما هو إلا تحريك للمياه الراكدة ولحشر "حزب الله" الذي لا يريد رئيسا الآن؟ إلا أن هذه الأسئلة ستبددها جلسة 8 فبراير عندها "سيذوب الثلج ويبان المرج". ثلاثة احتمالات ورأى عضو كتلة "المستقبل" النائب أحمد فتفت في تصريح ل"اليوم" ان "احتمالات ما سيحصل نتيجة لترشيح جعجع لعون ستتبين خلال الأيام القادمة فنحن أمام ثلاثة احتمالات، الأول: على الرغم من ضعفه إلا ان هذا ما نطالب به وهو ان يحضر الجميع جلسة انتخاب الرئيس ولننتخب ديموقراطياً رئيساً للجمهورية ولكن يبدو أن ميشال عون وحلفاءه يرفضون هذا الاحتمال، أما الاحتمال الثاني: فهو ان ينسحب سليمان فرنجية ولا يبدو ذلك وارداً وسبق وأعلن انه غير منسحب وبالتالي هو مستمر واذا انسحب سيصبح هناك محاولة لتعيين ميشال عون رئيسا للجمهورية وليس انتخابه، أما الاحتمال الثالث: فهو الأرجح هو ان يبقى سليمان فرنجية مرشحاً ويبقى ميشال عون وتبقى الأمور مفتوحة". وعما إذا كان لبنان سيعيد لبنان العام 1970، لفت فتفت إلى أن "هذا الامر يتوقف إذا تمت الموافقة على الاقتراح الأول، فليترك الموضوع ديموقراطياً للمجلس النيابي ليحسم هذا الموضوع ولكن لا يبدو أن الفريق الآخر مستعد للقبول بهذه المعادلة". وأوضح أنه "لم ير أي تناقض بين البيان الذي تلاه جعحع، وتحالف عون مع "حزب الله"، بل إن الأمور الجديدة كانت في موضوع العلاقات العربية، ولكن هذا يتناقض مع موقف وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في مؤتمر وزراء الخارجية العرب، وبالتالي لم أشعر أن هذه النقاط أتت بجديد". وعما إذا كان ما يحصل حرقا لأسماء مرشحين، قال فتفت: "لا أراه وارداً في المدى المتوسط". ورأى أن "حزب الله" غير مجبر على تحالفاته مع الجنرال ميشال عون، لأن النقاط العشرة لا تصيب "حزب الله" بشكل مباشر والكلام المبهم الذي قيل سبق وقيل كثير منه في قرارات دولية ولم يتعامل معها "حزب الله" وفق مصالحه، لهذا لا أعتقد ان "حزب الله" سيعيد النظر بتحالفه، لأنه يعتبر عون حليفا رئيسيا، وعون يعتبر "حزب الله" حليفه الرئيسي، وهذا التحالف مرتبط بالمشروع الإيراني في المنطقة سيستمر". وختم: "لن يكتمل النصاب في جلسة الانتخاب المقبلة، ولن يأتي مجدداً ميشال عون و8 آذار إلى الجلسة لا جديد سيحصل". نسخة مكررة ورأى منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد في تصريح ل "اليوم" أن "موضوع رئاسة الجمهورية مؤجل الى أجل غير مسمى؛ نظراً الى تعقيدات المنطقة وكل ما يجري في الداخل اللبناني هو من أجل تعبئة فراغ معين"، قائلاً: "إذا كان الموضوع الرئاسي مؤجلاً فلا أعتقد أنه سيكون هنالك خلط أوراق". ولفت إلى أن "موقف "حزب الله" العلني هو دعم ميشال عون بالإضافة إلى أن موقف الحزب هو عدم المساعدة أو المساهمة في إجراء انتخابات رئاسية"، سائلاً "ما الفائدة في ان يكون مع مرشح وألا يكون هناك استحقاق". وشدد على أنه "حتى هذه اللحظة من يعطل انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان هو الطرف الإيراني"، معلناً انه "لن يحصل شيء في جلسة 2 شباط بل ستكون نسخة مكررة عن سابقاتها". المرشح الثالث فيما لفت رامي الريس مفوض الإعلام في الحزب "التقدمي الإشتراكي" التابع للنائب وليد جنبلاط في تصريح ل"اليوم" إلى "أننا نظرنا بإيجابية للمصالحة المسيحية، لأن هكذا خطوة تحصن الاستقرار والسلم الاهلي وتدخل في اطار المصالحة الوطنية الشاملة"، مشدداً على ان "هناك حاجة لطي صفحة الماضي بين الطرفين ولقد قاموا بخطوة جريئة". ورأى في تكرار تجربة سركيس فرنجية ان "تشارك كل الكتل النيابية في جلسة الانتخاب ومن الواضح ان هناك بعض الكتل خلال الممارسات السابقة حصل تفاهمات معينة مسبقة حولها وبالتالي إذا استمر هذا الموقف لا يمكن تكرار هذا السيناريو". وقال: "لطالما قلنا انه من الضروري توسيع الهامش المحلي قدر الامكان في هذا الاستحقاق اللبناني من دون أن نلغي أن هناك تأثيرات للاعبين الإقليميين في مجريات الساحة اللبنانية، وبالتالي لا بد من البحث في هذا الامر مع الاطراف الإقليمية لأن ليس هناك مصلحة على الاطلاق للمزيد من الترهل الذي يصيب المؤسسات بأكملها". وحول جلسة الانتخاب القادمة، أجاب الريس: "نحن كلقاء ديموقراطي شارك في كل الجلسات التي دعا اليها الرئيس نبيه بري، وبالتالي تأمين النصاب يقع على عاتق القوى التي كانت تقاطع هذه الجلسات". ولفت الى ان "اللقاء الديموقراطي ذكّر كل القوى السياسية واللبنانيين أن مرشحه النائب هنري حلو لا يزال مرشحاً، وذكر اللبنانيين انه لم يعلن سحب ترشيح النائب هنري حلو على الرغم من انه ابدى ايجابية ومرونة في ترشيح النائب سليمان فرنجية عندما رأى ان ارتفاع حظوظه قد يشكل مخرجاً من الواقع القائم، وبالتالي كان لا بد من إعادة التذكير بهذا الأمر رغم القول إننا منفتحون مع كل القوى السياسية في سبيل الخروج من المأزق". إعادة خلط للأوراق ورأى الكاتب والمحلل السياسي علي الأمين في تصريح ل "اليوم" أن "ما حصل هو إعادة خلط أوراق أكثر مما هو خطوة حاسمة في انتخاب رئيس للجمهورية، وكان خير تعبير لدولة الرئيس نبيه بري، في إشارة الى انه ليست هذه الخطوة ستؤدي بالضرورة الى انتخاب رئيس، عندما قال انه ليس كافياً ترشيح جعجع لعون لانتخاب رئيس للجمهورية"، لافتاً الى ان "الامور ليست ناضجة ولا يوفر هذا الترشيح حتى الآن حسم خيار الذهاب إلى مجلس النواب وانتخاب رئيس للجمهورية، ويحتاج الأمر إلى بعض الوقت لبلورة مواقف، ولتظهر مواقف القوى السياسية على اختلافها من هذا الترشيح ومن خيارها بين أن تذهب مجلس النواب لانتخاب رئيس، ضمن منافسة بين مرشحين، أو أن يتم تعطيل بالمعنى المبطن، بانتظار بلورة تفاهم على شخصية واحدة، لأنه يبدو لي أن حزب الله على الأقل يوحي بأنه لا يرغب في أن تكون المنافسة مفتوحة بين فرنجية وعون ويفضل الاتفاق على شخص واحد، انطلاقاً من أن هذا التنافس سيكون له تداعيات سياسية على التحالفات القائمة، ونحن نعلم أن عون وفرنجية من حلفاء "حزب الله"، وبالتالي أي معركة انتخابية بين الاثنين هي بالتأكيد ستؤدي الى اعادة فرز، وحزب الله ليس مهيأ لتقبلها، وبالتالي سيضغط بإتجاه اما التفاهم على شخص بين الاثنين أو ايجاد ذرائع ما؛ لتأجيل الانتخابات أو ربما قد لا يحصل نصاب". ورأى أنه "من الآن حتى 8 شباط هنالك وقت ومن الممكن أن تحصل تطورات، وان كان هنالك رغبة في تعطيل جلسة الانتخاب فلن يكون الأمر بشكل فاضح بأن "حزب الله" عطل النصاب، وهو يحرص أن يأتي أحد غيره وهو يعطل النصاب، وقد تتكاتف قوى ثانية وتعطل النصاب ولكن "حزب الله" وحيدا سيكون في جبهة من يعطل النصاب"، مشدداً على أن "الأمر محرج للجميع وبشكل خاص ل "حزب الله" حيث الجميع ينتظر موقفه، وبالتالي بناء على هذا الموقف تتضح أكثر مسار الأمور، ولكن بالتأكيد لن يكون بموقع معترض على ترشيح ميشال عون من موقعه كتلة نيابية وقد يترك الأمر للكتل الأخرى لكي تعطل ولن يكون بواجهة التعطيل". ماذا حصل في انتخابات سريكس فرنجية؟ في 17 أغسطس عام 1970، عُقدت جلسة الانتخاب الرئاسية في قاعة المجلس النيابي، في أجواء سياسية محلية ضاغطة، ووسط تشنج إقليمي، وكان الجو السياسي الداخلي ملبداً بمواقف معارضة للشهابية وخاصة على الساحة المسيحية، وعندما وجد الحلف الثلاثي أن الأمل بفوز مرشحهم الشيخ بيار الجميل بات ضئيلاً اتجهوا للتصويت للمرشح سليمان فرنجية بعد اجتماع تاريخي في فندق "فاندوم" بين الرئيسين كميل شمعون وصائب سلام، فيما توزعت أصوات كتلة الزعيم كمال جنبلاط ما بين مرشح الشهابية الياس سركيس وسليمان فرنجية. 99 نائباً كان عدد النواب يومذاك، فانقسموا عمودياً حيث أعطى 49 منهم أصواتهم لفرنجية، و49 أعطوا أصواتهم لحاكم مصرف لبنان الياس سركيس. بقي الصوت الحاسم الذي كان للزعيم كمال جنبلاط الذي صوّت لفرنجية وحسم فوزه، فسماه الراحل غسان تويني "صوت الشعب".