في ليلة الثلاثين من كانون الأول (ديسمبر) 2014، حلقت طائرة هليكوبتر تابعة لخفر السواحل الإيطالي فوق سفينة شحن كانت تخترق عباب البحر باتجاه سواحل إيطاليا، من دون أن تستجيب لنداء الشرطة بالتوقف والإفصاح عن هويتها. كانت السفينة المسماة «بلو سكاي إم» تسير كأنها بلا قبطان، مسرعة تجاه الشواطئ الإيطالية، إلى درجة خشيت فيها الشرطة من أن تكون سفينة «كاميكاز» انتحارية تستهدف تفجير الشاطئ. لكن، في اللحظة التي أجرى خفر السواحل عملية الإنزال على ظهر السفينة، أدركوا أنهم أمام شحنة أخرى من تهريب اللاجئين في ظروف غير إنسانية، عبر حشرهم وتكديسهم بلا حراك في أسفل السفينة، ومن غرفها المظلمة، تحركت عيون 768 رجلاً وامرأة وطفلاً كانت تبدو عليهم السكينة حتى لحظة وصول الشرطة، والتي ألقت القبض على القبطان راني سركس الذي كان يقود هذا الحشد الصامت في عتمة الليل. كان على متن السفينة ما لا يقل عن ستين طفلاً، وفي زاوية أخرى كانت امرأة تضع مولودها وسط تلك الفوضى التي حدثت بعد احتجاز السفينة واقتيادها إلى ميناء غاليبولي. يقول أحد العاملين في منظمة إنسانية بعد صعوده إلى ظهر السفينه للمساعدة: «لن ننسى أبداً تلك الليلة العصيبة التي عايشناها». ويبلغ ما دفعه اللاجئون في تلك الرحلة القصيرة ملايين الدولارات، فكل فرد يدفع شقاء عمره في هذه الرحلة المصيرية التي تعني له ولأسرته الحياة أو الموت بكل معنى الكلمة. ويتراوح المبلغ عن كل شخص بين 4500 و6000 دولار أميركي. وهكذا زج المهربون ذلك العدد من البشر الذي يقترب من ثمانمئة شخص على متن السفينة «بلو سكاي إم»، ليضعوا في جيوبهم مبلغاً إجمالياً يتراوح بين 3.5 و4.5 مليون دولار للرحلة. ويخبرنا مصدر في خفر الشواطئ الإيطالية، أن مهربي البشر يفضلون استخدام السفن الكبيرة مثل «بلو سكاي إم» بهدف زيادة الربح وتخفيض الأخطار المحتملة ضدهم، إذ من السهولة بمكان أن يختفي العاملون في السفينة بين حشد البشر اللاجئ على متنها. ويفيد مصدر قضائي إيطالي لمعدي التحقيق أن كل موظف من طاقم السفينة، كان حصل على نحو خمسة آلاف دولار لمشاركته في تهريب البشر عبر «بلو سكاي ام»، بينما حصل القبطان سركس لوحده على 25 ألف دولار، وأفاد المحققين بأن المبلغ استلمته زوجته في طرطوس. لكن سركس الذي لم يتمكن من الهرب مثل كبير المهندسين علي عاصي عامر الذي فرّ من على متن السفينة، بينما دين سركس بتهمة تجارة البشر، وحُكمت عليه محكمة إيطالية الشهر الماضي بالسجن ست سنوات وغرامة 14مليون يورو. اسم راني سركس يظهر مرة أخرى في تحقيقات أجرتها السلطات اليونانية، حين قبضت على سفينة أخرى تدعى «حداد 1» في أيلول (سبتمبر) 2015، وكانت السفينة تحمل على متنها خمسة آلاف بندقية، حيث ظهر اسم سركس في التحقيقات باعتباره الوسيط الذي سهل بيع السفينة لرجل في الشرق الأوسط. اعترف سركس للمحققين الإيطاليين بأن من جنده لعملية تهريب اللاجئين رجل من طرطوس يدعى أبو حيدر، غير أن المصدر القضائي يخبر فريق التحقيق الصحافي بأن سركس هو مجرد واجهة لشخصية كبيرة تقف خلف عملية التهريب. الشبكة على مدى أربعة أشهر قام فريق من ثمانية صحافيين يمثلون ستة بلدان عربية وأوروبية (بلجيكا، رومانيا، اليونان، إيطاليا، تركيا وسورية)، إضافة إلى خبير في تجارة البشر بالتقصي حول مالكي تلك السفن التي تقف وراء تلك الرحلات الخطرة لتهريب اللاجئين، والتي كانت غالباً ما تنتهي إما بالغرق أو بالقبض عليها خلال سعيها للوصول إلى السواحل الأوروبية. فقد سجل عام 2015 أسوأ حادث من هذا القبيل، حين انقلبت سفينة تحمل 800 لاجئ بعيد مغادرتهم الشواطئ الليبية، ليقضي معظمهم غرقاً. التقى فريق الصحافيين العاملين على هذا التحقيق بمحققين قضائيين عملوا على التحقيق في سفن التهريب، وحصلوا على سجلات ووثائق تسجيل الشركات من دول متعددة وملاذات الأوف شور، واستطاعوا تصنيف قائمة بنحو 17 سفينة شحن غادرت تركيا منذ أيلول 2014 وحتى بداية العام 2015، وهي تحمل على متنها لاجئين بطرق غير مشروعة. بعد تحديد أسماء السفن، توصلوا إلى الشركات التي تقف وراءها: «ساندي»، «باريس»،» زين»، «فيتريول»، «ميركور 1»، «تيس» وغيرها. وقدر المحققون الإيطاليون أنهم كانوا يلقون القبض على سفن التهريب بمعدل نصف شهري تقريباً خلال تلك الفترة، وكانت كل سفينة يلقى القبض عليها تكشف عن حمولة خفية من مئات اللاجئين معظمهم من السوريين. وقدر مصدر قضائي إيطالي لمعدي التحقيق أن عدد اللاجئين الذين نقلتهم هذه السفن خلال أربعة أشهر بلغ حوالى ستة آلاف شخص. وتكشف التحقيقات أن تلك السفن ومثلها كذلك سفينة «بلو سكاي إم»، كانت تنطلق في الغالب من شواطئ تركيا، وتتبع تكتيكاً يعمل على نقل اللاجئين بقوارب صغيرة للوصول إلى السفينة الكبيرة الراسية قرب مرسين. وكذلك كان التخطيط لمرحلة الوصول إلى الشواطئ الإيطالية أو اليونانية، حيث تتم عملية النقل عبر قوارب صغيرة تخفي اللاعبين الكبار. استخدم هؤلاء اللاعبون شبكة معقدة لتسجيل السفن تحت أعلام دول أفريقية وأوروبية وجزر نائية. لكن وثائق التسجيل تكشف أن معظم المالكين كانوا سوريين من طرطوس واللاذقية تتحدّر غالبيتهم من جزيرة أرواد. وكانت عملية بيع السفن وشرائها تتم من جانب تجار متعددين في محاولة لإخفاء المالك الحقيقي. فسفينة «بلو سكاي إم» بيعت واشتريت من جانب مجموعة من رجال الأعمال معظمهم من السوريين المقيمين منذ زمن طويل في ميناءي كوستانزا وغالاتي في رومانيا، وبعضهم كان تورط مسبقاً وفق التحقيقات في تهم تهريب الأسلحة والسجائر. في عام 2011، اشترى رجل الأعمال السوري ص. ع المقيم في غالاتي برومانيا سفينة «بلو سكاي إم» من أ. ب الحاصل على الجنسية الرومانية، والذي تعود جذوره إلى منطقة تلكلخ في سورية. وكان أ. ب يستخدم السفينة سابقاً لنقل الأخشاب، بالتعاون مع رجل أعمال سوري آخر يدعى م. ط مقيم في كوستانزا، ويمتلك أيضاً شركة نقل بحري. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) دين م. ط بمساعدة شريك آخر يدعى ع. ه بالهروب من العدالة بعد الحكم عليه بخطف ثلاثة رومانيين في العراق عام 2005. وحكم القضاء الروماني عام 2014 على م. ط بالسجن سبع سنوات، بينما كان أ. ب خضع للاستجواب حول مدى علاقته بقضية ع. ه. ووفق الوثائق أيضاً، تعاقد ص.ع مع رجل أعمال لبناني مقيم في كوستانزا يدعى م. د ليكون وكيلاً لثلاث سفن هي «بلو سكاي إم» و «بلو سكاي إس» و «بلو سكاي آي». كما تعاقد مع شركة تدعى «إنفو ماركت سي آر إل» لتتابع معاملات السفن الثلاث. ووفقاً ل م. د، فإن ص. ع باع سفينة «بلو سكاي إم» في تركيا عام 2014 من خلال شركة تدعى «بلو سكاي شيبنغ إنت س.أ» أسسها في الملاذات الضريبية الآمنة «أوف شور». ووفقاً ل م. د، فإن ص. ع اشترى شقة في كوستانزا بعد تلك الصفقة. ثم يظهر اسم السوري أ. ح (31 عاماً) باعتباره المشتري المحتمل للسفينة «بلو سكاي إم» من ص. ع، وقد حصل فريق التحقيق الصحافي على صورة جواز سفره من مصدر في السلطات الرومانية، ثم أكدت وزارة النقل المولدافية للفريق الصحافي عبر الإيميل صحة جواز سفره، بعد أن تعرفت إليه من خلال نشاطات أخرى. وقبدأت عملية التهريب على متن «بلو سكاي إم» مباشرة بعد شرائها من جانب أ. ح، حيث راجع فريق التحقيق الاستقصائي مسار السفينة عبر الرادار من ميناء فارنا في بلغاريا إلى الدردنيل غرب تركيا، ثم إلى مرسين في العشرين من كانون الأول 2014. وهناك تعطل محركها قليلاً وفق الوثائق، لتعود وتنطلق باتجاه ميناء تاسكو في تركيا وعلى متنها مئات اللاجئين باتجاه اليونان، لكنها غيرت اتجاهها نحو إيطاليا ليلقى القبض عليها. في القفص في الأول من كانون الثاني (يناير) 2015 أي بعد أيام قلائل من القبض على السفينة «بلو سكاي إم»، انطلقت طائرة الهليكوبتر التابعة لخفر الشواطئ الإيطالي مجدداً باتجاه سفينة أخرى كانت تجرفها الأمواج نحو الشواطئ، وكانت السفينة تبدو موحشة بلا وقود ولا كهرباء. هبط الحراس من المروحية حاملين المصابيح الليلية، حيث كان التوقيت يشير إلى الساعة الثالثة صباحاً، وقد بدا النزول على متن السفينة «مغامرة خطرة» على حد وصف أحد حرس الشواطئ. السفينة الجديدة التي ألقي القبض عليها كان اسمها «عز الدين»، وكانت تتشابه مع «بلو سكاي إم» بأنها هي الأخرى غير مخصصة لنقل البشر، فقد كانت «عز الدين» مخصصة لشحن الدواجن والمواشي، لكن مالكيها قرروا استخدامها لتهريب البشر وحشرهم وسط روائح قاتلة، فالمهم هو جني الأرباح. ويصف أحد حراس الشواطئ ويدعى كورجلينانو كالاربو وهو من أوائل من صعد السفينة، بأنه لا يمكن أن ينسى ذلك المشهد الذي شاهده، «لقد كان حوالى 400 لاجئ مضغوطين في أقفاص يبدو أنها كانت مخصصة لنقل الأغنام، وكنت تراهم من خلفهم القضبان كأنهم مخطوفون أو معتقلون، بينما لا تزال بقايا روث الماشية التي ربما نقلت قبلهم تحيط بهم من كل جانب». وقد وجد المحققون على متن السفين فقط مئة سترة نجاة كانت مخصصة لإنقاذ اللاجئين الأربعمئة في حال التعرض للغرق. ووفق مصدر من فريق المحققين الإيطاليين، فإن السفينة «عز الدين» قدمت من مرسين في تركيا. وقد تتبع فريق التحقيق الصحافي مسار السفينة على مواقع تتبع السفن، فظهر أنها غادرت طرطوس على الشواطئ السورية في 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2014، ثم اختفت عن الرادار حتى الثامن من كانون الأول لتظهر في قبرص، ثم غادرت باتجاه مرسين في السابع عشر من كانون الأول. ووفق ما أفادتنا به مصادر التحقيق الإيطالي في عملية السفينة «عز الدين»، فإن طاقم السفينة اختفى بالكامل بين حشد اللاجئين ولم يعثر لأي منهم على أثر، وهو ما جعل التحقيق يواجه طريقاً مسدوداً أمام محاولة معرفة من كان يقف وراء السفينة وعملية التهريب. غير أنّ بعض اللاجئين على متن السفينة ذكروا أن شخصاً يدعى ر. ب كان مسؤولاً عن تهريبهم من تركيا. وقد استطاع أحد المشاركين في التحقيق الصحافي التواصل مع ر. ب متنكراً بأنه لاجئ يرغب وعائلته في الهجرة على متن سفينة إلى أوروبا. كان جواب ر. ب حذراً، فمرة كان يقول أن المناخ الشتوي غير مناسب للبحر، ومرة يقول أنه توقف ولم يعد للعمل على متن السفن منذ أن عاد من تركيا قبل ستة أشهر، لكن ازدياد شكوكه من محاوره مع ضغط الأسئلة، قام ر. ب بعملية حظر «بلوك» لمحدثه على فايسبوك. اختفاء ر. ب مرة أخرى لم يخف المالك الحقيقي لسفينة «عز الدين»، فقد استطاع الفريق الصحافي الحصول على وثائق تسجيل هذه السفينة والشركات المرتبطة بها، وتمكن من تحديد شركة (لبادي واي إم) Lebaddi YM التي تعود ليوسف محمد لباده والتي قد تكتب «لبادي»، وكذلك شركة (يوني مارين مانجمنت كو.) .Unimarine Management Co ويمتكلها رجل الأعمال عبدالله ألوف، وكلاهما يسكن طرطوس السورية. بينت الوثائق ارتباط الشركتين بالسفينة «عز الدين»، حيث كان لباده يمتلكها عندما كانت تحمل الاسم «جودي إس». ولم يتمكن الفريق الصحافي من الوصول إلى لباده لمنحه حق التوضيح، بينما تمكن الفريق من التواصل مع عبدالله ألوف (52) عاماً، والذي أكد أن محمد يوسف لباده هو مالك «عز الدين»، بينما كانت علاقته هو بالسفينة مجرد تأمين إجراءات السلامة للسفينة من خلال شركته. واكتشف الفريق الصحافي أن ألوف يرأس أيضاً شركة «مصر يوني مارين» Misr Unimarine في الإسكندرية بمصر، وتظهر على موقعها الإلكتروني ملكيتها السفينة «عز الدين»، إضافة إلى ملكيتها سفينة أخرى شهيرة تدعى «نور إم»، والتي كانت السلطات اليونانية قبضت عليها في الثامن من تشرين الثاني 2013 وعلى متنها 55 طرداً مليئاً بالذخائر المتفجرة. كانت «نور إم» متجهة إلى ليبيا وفق لجنة التحقيق التي شكلها رئيس مجلس الأمن الدولي، وقدمت تقريرها في شباط (فبراير) 2014 لافتة إلى أن تلك الذخائر يشتبه بأنها كانت متجهة لمجموعات «إرهابية» في ليبيا. ونفى ألوف للفريق الصحافي ملكيته السفينتين «عز الدين» و «نور إم» مكتفياً بالاعتراف بأنهما خضعتا لرقابة شركته في إجراءات السلامة فقط من خلال شركته (يوني مارين مانجمنت كو.)، ولم يذكر في إجابته شركة (مصر يوني مارين)، مؤكداً أنه لم يكن مسؤولاً عما كانت تحمله «نور إم» أو «عز الدين» من شحنات، ولا عن مسارهما ضمن البحر. وهذا خلافاً لما توصل إليه الفريق الصحافي، وما جاء في بيانات السفن من مصدر Lloyd's List على الأقل، حيث إن شركة (يوني مارين مانجمنت كو.) لصاحبها عبدالله ألوف هي المالك المستفيد النهائي (Beneficial Owner) والمدير الفني (Technical Manager) للسفينة في الوقت ذاته، ما يخوله القيام بأعمال الصيانة وتأمين قطع الغيار للسفينة، وحتى تقديم الدعم الفني لطاقم السفينة نفسه، وذلك في الفترة الزمنية التي وصلت فيها السفينة السواحل الإيطالية وهي محملة باللاجئين السوريين غير الشرعيين بتاريخ 1 كانون الثاني 2015. وربما كان متوقعاً أن ألوف لن يذكر أنه يدير شركات مسجلة في بنما، والتي هي أحد الملاذات الضريبية الآمنة «أوف شور»، ومن هذه الشركات: (داميكو شيبينغ) DAMEKO SHIPPING COMPANY S.A و (دايمارشيبينغ) DIAMAR SHIPPING & TRADING S.A وشركة (كريست شيبينغ أند تريدينج س.ا) Crest Shipping & Trading S.A، والتي تملك سفينة «سكاي هوب» وتحمل علم سيراليون. حيث مُنعت السفينة «سكاي هوب» من دخول المياه الأوروبية منتصف عام 2014 بسبب تعرضها للاحتجاز مرات عدة إثر مخالفات متعددة. ليس وحيداً في تموز (يوليو) 2015، حظر الاتحاد الأوروبي سفينة «جورجيانا إتش»، والتي تحمل علم جمهورية توغو من دخول مياهه الإقليمية. حيث تعود ملكية هذه السفينة وفق المعلومات التي عثر عليها الفريق الصحافي إلى شركة (جوهر شيبينغ) Johar Shipping، والتي يمتلكها حسن جوهر (35) عاماً، وهو رجل أعمال سوري ينتمي إلى عائلة شهيرة من مدينة طرطوس تمتلك شركات في بريطانياورومانيا. وفي ميناء كوستانزا الروماني نكتشف فرعاً للشركة التي تقدم خدمة إجراءات السلامة للسفينة «جورجيانا إتش» وتدعى شركة (بيا شيبينغ) BIA Shipping، وفي اتصال هاتفي من جانب أحد معدي التحقيق الصحافي، أكد حسن جوهر ملكيته الشركة (بيا شيبينغ). وإلى جانب «جورجيانا إتش» التي حُرمت من دخول المياه الأوروبية، منع الاتحاد الأوروبي أيضاً أربع سفن أخرى تعود ملكيتها إلى شركة (جوهر شيبينغ) Johar Shipping بسبب خرقها العقوبات الأوروبية المفروضة على جزيرة «القرم» الأوكرانية منذ العام 2014. وفي كوستانزا يمتلك حسن جوهر أيضاً شركة أخرى للنقل البحري تدعى (شنار شيبينغ إس آر إل)Shnar Shipping SRL بالشراكة مع ثلاثة سوريين هم: عدنان حسن، فرهاد حسن وعبدالرحمن حسن، وقد تم اعتقال هذا الأخير من جانب السلطات الرومانية في 2014 بتهمة تهريب السجائر من تركيا إلى رومانيا، عندما كان قبطاناً لسفينة تدعى «رانيا إتش» تديرها شركة (بيا شيبينغ) BIA Shipping العائدة إلى حسن جوهر. وقد قررت المحكمة في تشرين الأول 2015، الحكم على عبدالرحمن حسن البالغ من العمر (53) عاماً بالسجن مدة ثلاث سنوات بسبب تهريب السجائر، كما دين عبدالرحمن وفق ما أفادنا مصدر قضائي في كوستانزا بتهمة تهريب البشر لدوره في تهريب اثنين من الأكراد السوريين. وخلال تعقب فريق التحقيق الصحافي شبكة السفن المشبوهة ومن يقف خلفها، تظهر روابط على وسائل التواصل الاجتماعي بين «جوهر وحسن مع صالح عماد» حيث يقيم الجميع ويعملون في كوستانزا، ويمتلكون في الوقت ذاته شركات في طرطوس واللاذقية ومصر ولبنان ولديهم أعمال في تركيا. «بزنس» التهريب في 26 أيلول 2014، عندما رست السفينة «بلو سكاي إم» على شواطئ كوستانزا، حصل ذلك قبل ثلاثة أشهر من القبض عليها محملة باللاجئين على شواطئ إيطاليا. يومذاك تعرض قبطان السفينة وكان يدعى عبدالله عسيلي للتحقيق بتهمة التهريب من جانب السلطات الإيطالية. لكن اسم عسيلي لم يظهر على متن السفينة في رحلتها إلى إيطاليا حين قبض عليها، إنما ظهر اسمه في صفقة لشراء سفينة تدعى «عزرا إس» في تركيا. كانت تلك السفينة مملوكة حتى منتصف عام 2014 لخالد جوهر أحد أفراد عائلة حسن جوهر، والتي كانت تمتلك أيضاً شركة (إنفو ماركت إس آر إل) Info Market SRL التي تدير سفينة «بلو سكاي إم» الذائعة الصيت. وقد ورد اسم عائلة جوهر في قصة سفينة أخرى شهيرة تدعى «لطف الله 2»، وهي السفينة التي باعها أحمد جوهر لشركة تدعى (آي إس إم غروب ليمتد) ISM Group LTD في طرطوس، ثم اشتراها مطلع عام 2012 رجل أعمال سوري يدعى محمد خفاجي. وبعد امتلاك خفاجي السفينة بأربعة أشهر، ألقت السلطات اللبنانية القبض على السفينة وهي آتية من ليبيا وعلى متنها ترسانة من الأسلحة والمتفجرات متجهة إلى سورية. هرب خفاجي ولم يسلم نفسه إلى السلطات اللبنانية، ونشر بياناً ينفي التهمة وينفي علمه بالحمولة، لكن المحكمة العسكرية اللبنانية دانته وشقيقه غيابياً في آب (أغسطس) 2015 بالأشغال الشاقة المؤبدة. خفاجي المتواري عن الأنظار عاد للفت الأنظار مجدداً عندما ألقت السلطات اليونانية القبض على السفينة «ألكسندرياتا» التي يمتكلها، واحتجزتها في شباط 2013 في ميناء فولوس اليوناني، بعد أن عثرت على متنها على ثلاث شحنات مكونة من: «1700 بندقية صيد ونحو مليون خرطوشة للبندقية، و2500 مسدس ونصف مليون طلقة ذخيرة» وفق تقرير للجنة خبراء شكلها مجلس الأمن حول الحادثة. ويظهر اسم الشركة السورية «آي إس إم غروب ليمتد»، وهي التي باعت سفينة «لطف الله 2» لخفاجي، باعتبارها شركة مختصّة بتسهيل عمل السفن التي ترفع علم سيراليون في سورية، حيث سهلت (آي إس إم غروب ليمتد) بيع سفينتي «لطف الله 2» و «نور إم» اللتين تحملان علم سيراليون، وكلا السفينتين أُوقفت بتهمة تهريب الأسلحة والذخائر. كما كانت (آي إس إم غروب ليمتد) تمتلك سفينة «حداد 1»، قبل أن تبيعها لاحقاً لراني سركس القبطان المحكوم عليه بالسجن في إيطاليا بتهمة تهريب البشر. تحقيقات مفتوحة في تموز من العام الماضي، حكمت محكمة في اليونان على سبعة سوريين وأفغاني بتهمة تهريب البشر لعملهم ضمن طاقم سفينة تهريب تدعى «باريس». وقررت المحكمة سجنهم خمسة وعشرين عاماً، وتغريم كل واحد منهم مبلغ مئتي ألف يورو. كانت سفينتهم التي يعملون فيها تحمل علم جمهورية كيريباتي وتخفي مالكها الحقيقي. غادرت شواطئ مرسين في تشرين الثاني 2014، لكنها تاهت في عرض البحر، وأطلقت نداء استغاثة بعد نحو 12 يوماً على مغادرتها، حتى تمكن خفر السواحل اليوناني من إنقاذها. اختفى المالك الحقيقي لهذه السفينة وراء كومة من الأوراق، والتواقيع الرسمية، بعد أن قبض مبلغاً يتراوح بين 5 آلاف إلى 7 آلاف يورو عن كل لاجئ على متن السفينة التي زُج بطاقمها في السجن لربع قرن بدلاً منه. ذكّرنا مالكي السفن السوريين ممن تواصلنا معهم بقانون «مكافحة الإتجار بالأشخاص» الذي صدر في سورية عام 2010 ولا يزال ساري المفعول. وتعمدنا تذكيرهم بفقراته التي تنص على أنّ «نقل أو استدراج أو ترحيل الأشخاص لغايات غير مشروعة» يعتبر إتجاراً بالبشر، وأنّ هذه التجارة وفق القانون السوري، تعتبر «تجارة دولية بالبشر»، حينما تتعدى حدود سورية إلى دولة أخرى. وعلى رغم علمهم بالعقوبات الواردة في القانون السوري والدولي، واصلوا نفيهم التورط في الإتجار بالبشر أو علمهم بذلك، بينما تستمر سفنهم التي تشتغل في التهريب تدرّ عليهم سيلاً من الأرباح، حيث يدفع العاملون من طاقم السفن ثمن مخالفة القوانين الأوروبية والدولية، في الوقت الذي يختفي قراصنة البحر المتوسط الحقيقيون في بزات أنيقة وياقات بيض. * أنجز هذا التحقيق بدعم من Journalismfund.eu وبتعاون من «شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية» (أريج)