القضية هي كما يلي: اغتصب المخرج البولندي الفرنسي رومان بولانسكي بنتاً عمرها 13 سنة هي سامنثا غايمر بعد أن استدرجها الى بيت صديقه جاك نيكلسون في لوس أنجليس، بحجة أنه سيصورها لعرض أزياء، إلا أنه أعطاها شمبانيا ومخدرات واغتصبها بشكل بشع، ثم اعترف أمام المحكمة في صفقة مع الادعاء سنة 1978، إلا أن القاضي رفض الصفقة التي كانت تنص على سجنه 90 يوماً هي مدة توقيفه، أي أنه كان سيغادر المحكمة الى بيته، فالقاضي رأى أن الجريمة بشعة وكبيرة والعقاب عليها السجن مدى الحياة، فكان أن فر بولانسكي الى أوروبا حيث هو الآن. ما سبق لا ينكره أحد، بمن في ذلك بولانسكي، وأكمل بمعلومات من نوع ما سبق، ففي أيلول (سبتمبر) الماضي اعتقل بولانسكي وهو في طريقه الى حفلة تكريم له في سويسرا بطلب من القضاء الأميركي. وهو انتقل بعد ذلك الى شاليه يملكها في منتجع شتاد الفخم فيما محاموه يحاولون إقناع القضاء السويسري بعدم تسليمه الى الأميركيين. كان صديق لي اعتقل وهو ينتقل من طائرة الى أخرى في مطار فرانكفورت في تموز (يوليو) 2009 بطلب من وزارة العدل الأميركية بتهمة تعود الى برنامج النفط مقابل الغذاء في العراق، وتحديداً رشوة أو مخالفة قيمتها 50 ألف دولار وأخرى بمبلغ 150 ألف دولار. لم أكتب عن الصديق في حينه تاركاً الأمر الى القضاء، إلا أنني بعد اعتقال بولانسكي في سويسرا عدت إليهما على سبيل المقارنة، فصديقي معتقل بتهمة رشوة صغيرة في بلد قال تقرير رسمي للكونغرس الأميركي إن 18 بليون دولار خصصتها إدارة بوش لإعادة إعمار العراق سرقت أو تبخرت ولم تنفذ أية مشاريع حقيقية، فأزيد من عندي أن ما نُفِّذ هو مواصلة تدمير العراق وقتل أبنائه. صديقي لم ينتصر له أحد، حتى أنا وجدت قضيته شخصية وسكتّ عنه، ولم أعد إليه إلا على سبيل المقارنة بالمخرج الذي اغتصب بنتاً صغيرة وواجه ست تهم مختلفة تعود الى ما فعل ثم ينتصر له نصف العالم بشكل حقير، وقد تحدثت في حينه عن الفيلسوف برنار - هنري ليفي الذي كتب دفاعاً عنه يجافي كل منطق وفلسفة، إلا أنني لن أعود إليه، وإنما أقول إن ليفي لا يزال يدافع عنه بوقاحة. وعندما أصدر بولانسكي أخيراً بياناً مبتذلاً يدافع فيه عن نفسه ونشرته مجلة فرنسية روج له ليفي ولا يزال، فلا جريمة هناك وإنما تحامل صحافي عليه كما يقول المخرج. دفاع ليفي وأمثاله عن بولانسكي هو مثل الدفاع عن جرائم إسرائيل والاحتلال وقتل النساء والأطفال. - أركان هوليوود، بمن فيهم وودي آلن ومارتن سكورسيزي وقّعوا رسالة تطالب بالإفراج عنه لأنه ارتكب «جنحة» لا جناية فظيعة. - كان هناك من برر جريمته بأنه شهد المحرقة النازية، أو أن زوجته شارون تيت قتلت وهي حامل. - زوجته المغنية والممثلة الفرنسية إيمانويل سينيي قالت إن سبب جريمته جو السبعينات «المجنون». غير أن ملايين منا عاشوا السبعينات ولم يجنوا الى درجة اغتصاب طفلة. - كان هناك من طالب بإسقاط الدعوى عنه لحماية الضحية من أن تغتصب من جديد، وهي كلمة باطل ويراد بها باطل، فإسقاط الحق الخاص لا يسقط الحق العام. - ليفي يتهم الصحافة برغبة في خمرة الانتقام تجعلها تدوس على الضحايا. رأيي الشخصي أن ليفي حقير، وهو اعتذاري إسرائيلي معروف، غير أن القارئ يستطيع أن يعود الى الإنترنت وسيجد أن مفكرين كباراً وجامعيين وفلاسفة يهاجمون ليفي بأشد مما أقول عنه. وقد طالب محامو بولانسكي بفتح أوراق مغلقة من قضيته في كاليفورنيا لإثبات أن نائب المدعي في حينه روجر غانسون طالب بعزل القاضي لورنس رينباند بتهمة إساءة التصرف إلا أن رؤساءه رفضوا ذلك. وقد رُفض هذا الطلب أيضاً. حتى لو كان كلام محامي بولانسكي صحيحاً فهو لا يلغي شيئاً من جريمة موكلهم لأن الخلاف بين الادعاء والقاضي معروف، فقد عقد الادعاء صفقة مع بولانسكي كانت ستعني نجاته من العقاب، إلا أن القاضي رفض الصفقة بسبب فداحة الجريمة كما قلت في بداية هذه السطور. بولانسكي في السادسة والسبعين، وربما لم يعد يستطيع الاغتصاب لو أراد إلا أن تاريخه يقول إنه بعد طفلة كاليفورنيا أقام علاقة مع الممثلة ناستاسيا كينسكي وهي في الخامسة عشرة أي دون السن القانونية. والآن الممثلة البريطانية شارلوت لويس تتهم بولانسكي بأنه اعتدى عليها أثناء تمثيل فيلم «قراصنة» سنة 1986 وكان عمرها 16 سنة... ما يعني أنه وحش جنسي محترف. مع ذلك ليفي وأمثاله لا يزالون يدافعون عن بولانسكي، وهم لا يبرئونه بدفاعهم وإنما يدينون أنفسهم معه. [email protected]