اليوم الجمعة 26 شباط (فبراير) من عام 2016، ربع قرن مر على تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، فإذا كان وقف إطلاق النار وقع في خيمة صفوان في 28 فبراير 1991، فإن تحرير العاصمة الكويتية تم قبل هذا بيومين. لكن هل هناك ما يستحق الاحتفال فعلاً مع كل هذا التوتر والعنف الذي يضرب المنطقة كلها؟ بل هل تشعر الكويت والخليج بالأمن الآن أكثر ما شعرت به قبل 25 عاماً؟ «الحياة» حملت هذين السؤالين إلى سياسيين ومثقفين كويتيين وخليجيين، واستمعت إلى إجاباتهم ورؤاهم. كما سألناهم عن الاختلاف بين «الخطر العراقي» عام 1990، و«الخطر الإيراني» عام 2016، وعن واقع العلاقة الخليجية - الأميركية بين 1990 و2016، ثم عن واقع مجلس التعاون الخليجي ذاته ومستوى تماسكه الحالي. وسألنا أيضاً: هل حقق مجلس التعاون قدرة دفاع ذاتي الآن بعد ربع قرن، أم لا يزال عالة على الغرب، وعن الواقع الدولي بين زوال حرب باردة ونشوء أخرى الآن؟ الخطر الإيراني أشد رأى النائب السابق في مجلس الأمة (البرلمان) المعارض الكويتي جمعان الحربش أن الخطر الإيراني «أشد من العراقي، لأنه خطر أيديولوجي طائفي، قائم على تصدير الثورة وولاية الولي الفقيه. وأثبتت التجارب في العراق، ولبنان، وسورية، واليمن، أنه احتلال استئصالي، لا يسمح ولا يقبل بالتعايش مع الآخر». ولفت الحربش إلى أنه خطر يختلف عن الخطر الذي شكله صدام حسين من جهة «وجود أقليات في دولنا تتبع هذا المشروع، وتعتنق فكره الثوري، ما سهل له ابتلاع السيادة اللبنانية واليمنية، وأوجد خلايا تابعة في الكويت، والبحرين، وبقية دول الخليج». وأشار إلى أن الضعف الخليجي في مواجهة التهديد الخارجي «لا يزال مستمراً - فللأسف - لم يختلف واقعنا الخليجي الآن عنه ما قبل ربع قرن. فما زال التوحد بعيد المنال، وما زال تعدد المواقف والتشرذم سيد الموقف». ورأى أيضاً أن الكويت لم تتعلم من دروس الغزو العراقي «فواقعها لا يختلف، إن لم يكن أسوأ من واقعها قبل 25 سنة، فالبرلمان لم يعد له قيمة تُذكر بعد تغيير السلطة النظام الانتخابي، والمقاطعة الواسعة من الشعب الكويتي والخلايا التي تم اكتشافها والأسلحة هائلة»، موضحاً مقاطعة المعارضة الكويتية انتخابات البرلمان منذ 2012، وإلى «خلية العبدلي» التي دانها القضاء الكويتي أخيراً بالتخابر لمصلحة إيران و«حزب الله»، والتجسس وحيازة أطنان من المتفجرات والسلاح. وحكم على 20 من أفرادها بعقوبات تضمنت الإعدام والسجن المؤبد، وعقوبات أقل. تراجع الثقة بالأميركيين بدوره، رأى رئيس تحرير صحيفة «الشرق» القطرية جابر الحرمي اختلافاً بين أوضاع 1990 و2016، وقال: «هناك فرق كبير، صحيح أن الخطر العراقي آنذاك استهدف كيان دولة، عبر عدوان غاشم واحتلال كامل لأراضي الكويت، وهي سابقة غير مألوفة على الصعيد العربي. إلا أنه شكّل احتلالاً «جغرافياً» إن صح التعبير، وبالتالي كان التخلص منه سريعاً». وأضاف الحرمي: «تتعامل إيران مع المنطقة اليوم بمفهوم احتلالي آخر: التمدد والتوسع ليس بالجغرافيا المفهومة تقليدياً، بل تعمل على تجييش المنطقة طائفياً، وهذا أخطر، وهو ما سيخلق فرزاً طائفياً في كل بلد، وسيعمل على زعزعة الأمن والاستقرار، وهو ما ظهر في عدد من الدول». وتابع بالقول: «تبنى أفراد في هذه المجتمعات مواقف تنحاز إلى مواقف إيران، وبعضهم ذهب أبعد من ذلك، بدعم أنظمة ديكتاتورية على أسس طائفية، كما هو الحال مع النظام السوري، الذي وجد من يصطف معه طائفياً ممن هم محسوبون على أنهم خليجيون». ورأى الإعلامي القطري متغيرات في واقع العلاقة الخليجية - الأميركية بين 1990 و2016. وقال: «إن الأنظمة الخليجية بدأت تستوعب هذه المتغيرات، وهو ما دفعها إلى قيادة مبادرات من دون انتظار المشاركة الأميركية، كما حصل في «عاصفة الحزم» الاستباقية التي تولتها السعودية، التي أنقذت المنطقة من سيناريو جديد كانت ستدخله بالانقلاب الحوثي، وسيطرته على الحكم في اليمن بالقوة العسكرية، وهو ما كان سيجعل الخطر غير مقتصر على السعودية، إنما المنطقة كلها». وأردف جابر الحرمي أنه «عام 1990 كان الاعتماد كلياً على الطرف الأميركي. وكانت الثقة كاملة به، اليوم لم تعد هذه الثقة كما كانت، فالرهان الكلي بات خاسراً، والدليل الأزمة السورية، إذ اتضح أن أميركا شريكة بسكوتها وقبولها لجرائم النظام السوري وحلفائه». وتوقع الحرمي أن تشهد المنطقة ظهور تحالفات جديدة «وربما الخطوات التي أقدمت عليها القيادة السعودية، عبر تأسيس التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب وإقامة أكبر تدريبات عسكرية في تاريخ المنطقة، بمشاركة 20 دولة، بمسمى «رعد الشمال»، ثم التوجه نحو تركيا، وإرسال مقاتلات إلى قاعدة إنجرليك التركية. كلها مؤشرات تشير إلى ملامح مرحلة جديدة مقبلة». وعن واقع مجلس التعاون الخليجي ذاته ومستوى تماسكه منذ الغزو العراقي، قال جابر الحرمي: «في 1990 كان الجسد الخليجي أكثر صحة، على رغم ضعف الإمكانات آنذاك، مقارنة بالسنوات الأخيرة، وصولاً إلى اليوم، لكن الجسد الخليجي دخلته فايروسات أثرت في النسيج الخليجي في السنوات القليلة الماضية، ليس فقط على المستوى الرسمي، بل حتى الشعبي، على رغم ما نردده حول أننا «شعب واحد، ومصير واحد». ودعا الحرمي إلى الإقرار بأن هناك «جراثيم في الجسد الخليجي، ويجب تنظيفه منها سريعاً، وسبق أن دخلت المنظومة الخليجية في كبوات وأنفاق مظلمة، والسبب هذه الجراثيم، التي تدفع نحو خلخلة الصف، وزعزعة الثقة، وبالتالي التأثير في مستوى التماسك، وهذا ما يفرض علينا تطهير الجسد الخليجي منها سريعاً». وأقر جابر الحرمي بأن مجلس التعاون «لم يملك قدرة دفاع ذاتي. لكنه اليوم بات يتحرك في اتجاهات مختلفة من أجل إيجاد تحالفات جديدة، منها التحالف مع تركيا، التي لديها قدرات جيدة في المجال التصنيع العسكري، يمكن أن يفتح آفاقاً جديدة». وأضاف: «طالما لم تتمكن دول المجلس من توفير أمنها الغذائي وصناعة سلاحها؛ ستظل عالة على الغرب، وبالتالي الحل التوجه جدياً من خلال شراكات مع دول لديها قواعد صناعية عسكرية متقدمة، لبناء مصانع في دول خليجية». ورأى الحرمي أن قوة «درع الجزيرة» لم يتم تطويرها، عدداً وقوة وعتاداً بالصورة التي تمكنها من القدرة على الدفاع بصورة منفردة عن أية مخاطر قد تتعرض لها دول المجلس، التي تعيش وسط حزام ناري، ومخاطر محدقة، وتحديات جسام، وهو ما يفرض عليها إيجاد قوة ردع قادرة على التصدي لكل ذلك. وأشار الإعلامي القطري إلى قيام محاور جديدة في المنطقة «وما المحور الروسي – الإيراني إلا خير مثال على ضرورة بناء محور خليجي قوي لديه القدرة للوقوف أمام ما يشكله هذا المحور من خطر على المنطقة». خطر تقسيم العراق أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتور عبدالله الشايجي نشوء «تغييرات استراتيجية مهمة ولافتة» بعد مرور ربع قرن على تحرير الكويت. بل رأى أن الغزو وحرب التحرير «غيرا تضاريس المنطقة استراتيجياً بطريقة لا تزال تتفاعل وتُسدد فواتيرها». وعلى رغم إعادة العلاقات الديبلوماسية بين الكويتوالعراق منذ 2 أب (أغسطس) 2004 أثناء زيارة رئيس وزراء الحكومة الانتقالية العراقي إياد علاوي إلى الكويت «إلا أنه سلام بارد وعودة فاترة للعلاقات». ولفت إلى استمرار هذا الفتور «على رغم زيارة الأمير الشيخ صباح الأحمد بغداد في القمة العربية في آذار (مارس) 2012، للمشاركة في القمة العربية ال23، وزيارات رسمية لمسؤولي البلدين ومن وفود شعبية وأكاديمية وإعلامية ودينية للنجف وكربلاء». وتابع الشايجي: «أن كل هذا على السطح، أما الواقع فإن طبيعة ونوعية التهديد من العراق تغير من تهديد متماثل Symmetrical، إلى تهديد غير متماثل Asymmetrical. يتمثل في هيمنة إيران على العراق كلياً ودوران بغداد في فلك طهران، استراتيجياً وعسكرياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً». ورأى خطر تقسيم وتشظي العراق، وإمكان قيام دولة شيعية على حدود السعودية والكويت«فالعراق كدولة فاشلة أو مفككة قابلة للعطب وتصدير الفوضى والطائفية والتخندق المذهبي مع سيطرة «داعش» على نحو ربع العراق». ولاحظ الشايجي استمرار ملفات عالقة بين البلدين، مثل مطالبات الكويت من العراق بتقديم التعويضات التي فُرضت على بغداد بحسب قرار مجلس الأمن 687، وللدول والأفراد الذين تضرروا من الاحتلال. ووافقت الكويت على تأجيل الدفعة الأخيرة من التعويضات المستحقة على العراق والمقدرة ب4.6 بليون دولار حتى عام 2017. بسبب الأزمة المالية الناجمة من تراجع أسعار النفط. وسجل مجموعة متغيرات نتجت من الغزو والتحرير، وأصبحت ثوابت على مدى ربع قرن، منها أن قيادة الولاياتالمتحدة حرب تحرير الكويت كرس الوجود العسكري الأميركي الدائم في منطقة الخليج العربي. ورأى أن الغزو والاحتلال مثلا «فشلاً كبيراً لمشروع مجلس التعاون الخليجي كقوة ومنظومة أمنية قادرة على الدفاع والردع. ولا يزال ذلك الوضع قائماً، وإن تحسن بامتلاك قدرات عسكرية». ولفت إلى استمرار كون منطقة الخليج الأعلى في نفقات التسلح عالمياً خارج «الناتو»، وهو التزام «يتزايد الآن مع قيادة السعودية مشروع استراتيجي لاحتواء وردع إيران وحلفائها ومشروعها للهيمنة على المنطقة. ولكن لا يزال التحدي كبيراً وواسعاً، ونرى تجلياته في سورية، والعراق، واليمن، ولبنان. وآخر فصوله مع «حزب الله» في لبنان، والتلميح لعملية عسكرية برية بقوات خاصة سعودية وتركيا لمواجهة «داعش». واعتبر الشايجي أن التهديد الجديد للكويت ودول مجلس التعاون الخليجي انطلاقاً من العراق «يكمن في ظهور وتمدد التنظيمات المتطرفة والحرب على الإرهاب، بدءاً من «القاعدة»، وصولاً إلى «داعش»، وزيادة التخندق والفرز تبرز الطائفي والمذهبي والصراع السني - الشيعي، واستخدام الغرب الحرب على الإرهاب عذراً للتدخل والحروب الباردة». ورأى في الوقت ذاته وجود «انكفاء وتراجع للحضور الأميركي مع مبدأ الرئيس باراك أوباما، وضمن بنوده تغليب الحوار والديبلوماسية على العمل العسكري، ونظرية القيادة من الخلف والاستدارة نحو آسيا والصين. وتخفيف الوجود العسكري والالتزامات الخارجية، وهي أمور تقلق حلفاء واشنطن كما رأينا في كامب ديفيد. إذ قدمت إدارة الرئيس أوباما التزامات بلا ضمانات. ما سمح لروسيا بالبروز على المسرح الشرق أوسطي، وخلط الأوراق وتعقيد الوصول إلى الحلول السلمية في سورية». وأشار إلى أن هذا التوجه الأميركي أسهم في المزيد من إضعاف الدولة المركزية في النظام العربي. وبرزت معه سياسة المحاور الإقليمية ورعاية دول عظمى تلك المحاور بقيادة روسيا، وبروز محور روسيا - إيران - العراق - سورية، وبقية حلفاء طهران في المنطقة. ما أحدث خللاً حاداً في موازين القوى. واعتبر الشايجي أن هذه التحولات مهدت لظهور «مبدأ الملك سلمان» للتصدي للانكفاء ورفع اليد الأميركية، وتأكيد الاستقلالية في اتخاذ القرار السعودي، والتحرك نحو تشكيل مشروع عربي بقيادة خليجية وزعامة سعودية، للدفاع عن المصلحة العليا وحفظ الأمن الإقليمي من عبث إيران وحلفائها، في ظل دعم روسيا وصمت أميركا.