يصب وقف إطلاق النار في سورية، في هذه المرحلة، بالدرجة الأولى في مصلحة موسكو وحلفائها، لا سيما أنه يأتي بعد تحقيق مكاسب للنظام وحلفائه بتقدمهم في أكثر من منطقة في الجغرافيا السورية، وستوظف تلك المكاسب في أي مفاوضات قادمة، وكذلك لسبب لا يقل أهمية، حيث تأتي موافقة موسكو على الهدنة، بعد فشلها في مجلس الأمن باستصدار قرار يمنع تركيا من القيام بأي عمل عسكري بري داخل سورية. ويمكن النظر الى جلسة مجلس الأمن آخر الأسبوع الماضي، كسابقة في تاريخ الأزمات، أي أن يجتمع مجلس الأمن لبحث خطط تتعلق بعملية عسكرية متوقعة، واللافت أن الجلسة تمت بطلب روسيا، التي يراها كثير من الدول محتلة لسورية. طلب روسيا عقد جلسة لمجلس الأمن لمناقشة مشروع عملية عسكرية تركية برية في سورية، يعني أنها متأكدة أن العملية العسكرية البرية باتت مسألة وقت لا أكثر، وأرادت استباق ذلك بقرار دولي، يكبل تركيا، ويعقد موقفها، أكثر مما هو معقد حالياً. ووفق ديبلوماسيين، فإن فرنسا و4 دول أخرى (الولاياتالمتحدة وبريطانيا ونيوزيلاندا وإسبانيا) رفضت نص مشروع القرار الروسي، وبسبب امتلاك 3 من هذه الدول حق النقض الفيتو، لم يكن هناك أي أمل في تبني مشروع القرار، كما اتهم السفير الفرنسي فرنسوا ديلاتر، روسيا بالتسبب في تصعيد خطر، من خلال دعمها نظام الأسد في حملته العسكرية لاستعادة حلب. وعولت موسكو، بدعوتها لاجتماع مجلس الأمن، على تمرير قرار يكبح تركيا، لاسيما بعد تفجير أنقرة الإرهابي، وتبني فصيل يتبع للعمال الكردستاني العملية، والتردد الأميركي المستمر منذ بداية الثورة السورية، بالإضافة للتصريحات المتناقضة في الآونة الأخيرة حيال الموقف الأميركي من الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، ما دفع أنقرة للتلويح بإغلاقها قاعدة «إنجرليك» بوجه الأميركيين. ولجوء موسكو إلى مجلس الأمن يظهر عجز روسيا عن إيقاف أي تحرك تركي عسكري مرتقب نحو الأراضي السورية، فهي غير راغبة وربما غير مستعدة لدخول أي نزاع مسلح وفي شكل مباشر، ليس فقط لأن تركيا عضو في ال «ناتو»، وإنما لأن ذلك يعني أنها ستواجه طرفاً قادراً على رد القصف بقصف مماثل، وأي تحرش عسكري سيقابل برد، على عكس ما تقوم به روسيا اليوم، في سورية أو في شرق اوكرانيا. وفي حال كانت الهدنة، أو وقف إطلاق النار، بمبادرة روسية، فهذا يعني أنها حققت أكبر قدر من المكاسب على الأرض مؤخراً وتريد استغلالها في مفاوضات جنيف المقبلة، وموسكو أكثر فاعلية على الأرض من واشنطن، باعتبارها باتت طرفاً مباشراً، كما تريد موسكو بكل الطرق، وقف القصف المدفعي التركي، لحليفتها ميليشيات صالح مسلم، والذي هو من منظور عسكري بداية لعملية برية. وربما لموسكووواشنطن، في آن واحد، مآرب أخرى لا تقل خطورة، على سبيل المثال تعزيز فرص التقسيم، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار دعمهما الأخير لميليشيات حزب الاتحاد الديموقراطي الانفصالية الكردية، وهي الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، المصنف إرهابياً في تركيا وال «ناتو»، وتهجير الأخيرة أعداداً كبيرة من سكان تلك المناطق. ويسيطر الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي (PYD) على ثلاثة أرباع الحدود السورية مع تركيا ويتابع استفزازه لها، بالتقدم إلى مناطق كان النظام السوري في السابق، تعهد بمنع أي تحرك مسلح كردي فيها، أو السماح للجيش التركي بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة المسلحين الأكراد كما حدث في أوقات سابقة، ولو في شكل غير معلن. كما يحظى التنظيم الكردي حالياً بدعم أميركي- روسي، بسبب تصديه لمسلحي تنظيم «الدولة الإسلامية». وتبقى المعضلة الرئيسية اليوم هي من يستطيع فرض وقف إطلاق النار، وما هي طبيعة الآليات التي ستستخدم لوقف إطلاق النار. الأكيد أن المعارضة لن تستفيد من الهدنة على عكس القوى التي تدعمها روسيا وحققت تقدماً واسعاً أخيراً، والشيء الوحيد الذي يمكن أن تحققه المعارضة السورية من الهدنة، هو إعادة توحيد صفوفها، فمن دون ذلك ستكون ورقة خاسرة لا يمكن لأحد أن يعول عليها مستقبلاً، وستعطي الفرصة من جديد للمجموعات الانفصالية لتملأ الفراغ. ولو كانت لفصائل المعارضة السورية، قيادة موحدة، لما اتجهت واشنطن لدعم ميليشيات صالح مسلم، واستفادت من القصف المدفعي التركي، منذ أيام، واستعادت الأراضي التي خسرتها. يبقى القول أن قرار وقف إطلاق النار، أو الهدنة، إذا ما تم تنفيذها بالفعل، تكون أجلت، وربما أوقفت، عملية تركية عسكرية برية في سورية.