تتراكم إشارات في إسرائيل إلى أن الانفراجة الحاصلة أخيراً في العلاقات مع الولاياتالمتحدة تتطلب من رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو دفع ثمن لقاء مبادرات طيبة تجاه إسرائيل قام بها الرئيس باراك اوباما اخيراً، يتمثل في دفع جدي للعملية التفاوضية مع الفلسطينيين. كما يشير مراقبون إلى التصريحات الأخيرة التي أطلقها زعيم حزب «العمل» وزير الدفاع ايهود باراك في شأن أهمية العلاقات بين تل أبيب وواشنطن ووجوب أن تشهد التشكيلة الحالية للحكومة تغييرات في اتجاه الاستغناء عن حزب «إسرائيل بيتنا» المتطرف بزعامة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان وحركة «شاس» الدينية الأصولية الشرقية بقيادة وزير الداخلية ايلي يشاي، في مقابل ضم حزب «كديما» الوسطي بزعامة تسيبي ليفني. وتشير تقارير إسرائيلية إلى المساهمة الكبيرة للرئيس الأميركي في قرار منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في باريس دعوة إسرائيل إلى الانضمام للمنظمة، وهو ما اعتبرته إسرائيل «حدثاً تاريخياً»، فيما اعتبره نتانياهو إنجازاً شخصياً كبيراً وشهادة دولية على صواب السياسة الاقتصادية التي أرسى أسسها عام 2005. ووفقاً للتقارير، فإن اوباما مارس ضغوطاً على تركيا لتتراجع عن معارضتها ضم إسرائيل الى المنظمة الدولية، علماً أن معارضة أي من أعضاء المنظمة ال 31 تكفي لإفشال قرار ضم دولة جديدة للمنظمة. إلى ذلك، صادق الرئيس الأميركي قبل يومين على تمويل كلفة المنظومة الدفاعية «القبة الحديد» التي تعمل الصناعات العسكرية الإسرائيلية على تطويرها لاعتراض القذائف الصاروخية قصيرة المدى. وأكدت التقارير الإسرائيلية أنه تمت المصادقة على تخصيص مساعدة خاصة بمبلغ 205 ملايين دولار لشراء عشر بطاريات صواريخ جديدة من إنتاج الصناعات العسكرية الإسرائيلية. ووصفت مصادر في وزارة الدفاع هذه المساعدة ب «المنعطف» الذي سيسهل كثيراً مواصلة المشروع وإتمام إنتاج المنظومة الدفاعية الجديدة، لتدخل الخدمة العملية قبل نهاية العام. واعتبرت أوساط أمنية القرار الأميركي «مكافأة» لوزير الدفاع ايهود باراك، أكثر وزراء الحكومة الإسرائيلية قبولاً لدى البيت الأبيض، فنتانياهو شخصية غير مرغوب بها، خصوصاً بعد الاجتماع الأخير مع اوباما قبل نحو شهرين والذي اعتبرته إسرائيل مهيناً لرئيس حكومتها، فيما ليبرمان مقاطَع تقريباً من نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون، فضلاً عن أنه أعلن أنه ليس معنياً بأن يكون شريكاً في المفاوضات مع الفلسطينيين. في المقابل، زار باراك واشنطن خلال العام الماضي أربع مرات، وقام الرئيس الأميركي «بتكريمه» بلقاءين معه لم يكن مخططاً لهما. وأطلق باراك في الأسابيع الأخيرة أكثر من تصريح أكد فيه أهمية منع شرخ مع الولاياتالمتحدة، ملوّحاً بالمسائل المصيرية للدولة العبرية التي تحتاج فيها إلى أن تكون الولاياتالمتحدة إلى جانبها، مثل عدم شمل إسرائيل في مشروع نزع السلاح النووي في الشرق الأوسط، وحض الولاياتالمتحدة على فرض عقوبات صارمة على ايران. ورأى مراقبون في البيان الذي أصدره باراك أول من أمس وناشد فيه زملاءه الوزراء الامتناع عن إطلاق تصريحات من شأنها توسيع رقعة الخلاف مع الولاياتالمتحدة أو عرقلة المفاوضات المرتقبة مع الفلسطينيين، «غير عادي» ينذر بأن باراك، الذي يتعرض منذ أكثر من عام لانتقادات واسعة في أوساط المعسكرين الوسطي واليساري في إسرائيل ومن حزبه تحديداً على مشاركته غلاة اليمين في الائتلاف الحكومي، قد يشترط بقاءه في الائتلاف بتغيير تركيبته وضم «كديما» إليه، وهو ما سترحب به الولاياتالمتحدة التي تؤكد تقارير إسرائيلية انها معنية بضم «كديما» لدفع مفاوضات سياسية حقيقية مع الفلسطينيين. وخلافاً لسلوكه خلال العام الأول على ولاية حكومة نتانياهو الذي اتسم بتماه شبه تام مع رئيس الحكومة، يبدو أن باراك يتجه نحو وضع نتانياهو أمام خيار ضم «كديما» (على حساب إسرائيل بيتنا وشاس) وتشكيل حكومة ثلاثية الرأس من «ليكود» و«كديما» و«العمل»، أو انسحابه وحزبه من الائتلاف الحكومي في حال أصر نتانياهو على الإبقاء على التشكيلة الحالية. وليس مستبعداً أن يكون وراء صوت باراك المرتفع في الأسابيع الأخيرة لضم «كديما»، تنسيق مع الولاياتالمتحدة التي سبق ان اتهمتها أوساط قريبة من نتانياهو بسعيها الى إسقاط حكمه. ويرى المعلق السياسي البارز آلوف بن (هآرتس) أن رئيس الحكومة الإسرائيلية سيطالَب بدفع ثمن «اللفتات الأميركية» الأخيرة، خصوصاً «قبولها لنادي النخبة الاقتصادي العالمي». وأضاف أن مظاهر «العناق الدافئ» لإسرائيل من الولاياتالمتحدة في الأسابيع الأخيرة، وتكرار اوباما وكبار المسؤولين في واشنطن التزام الولاياتالمتحدة أمن إسرائيل، تعتبر «انتصاراً لنتانياهو»، لكنه انتصار موقت «إذ ستتم مطالبته بدفع ثمن ما». ولا يستبعد المعلق أن يكون نتانياهو قدم لواشنطن تعهدات مختلفة، إضافة إلى تجميد البناء في مستوطنة رمات شلومو، بقيت طي الكتمان تفادياً لإحراجه في أوساط اليمين الإسرائيلي. ويرى المعلق، اعتماداً على مصادره في العاصمة الأميركية، أن واشنطن لم تغير موقفها «إنما الأسلوب فقط تغير وتم تليينه لكن الجوهر بقي على حاله». وأضاف أن الرئيس الأميركي لم يتراجع عن مشروعه حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي خلال ولايته الحالية. وقال إن الإدارة الأميركية تدرك أن نتانياهو يتمتع بائتلاف حكومي متين ونفوذ سياسي شبه مطلق ولا أحد يهدد كرسيه، ما يتيح له تمرير أي اتفاق سلام في الرأي العام الإسرائيلي. ولفت المعلق إلى ان واشنطن ستختبر جدية نيات نتانياهو عندما تنتهي فترة تعليق البناء في مستوطنات الضفة الغربية في أيلول (سبتمبر) المقبل، وهو توقيت يتزامن مع الاجتماع السنوي للهيئة العمومية للأمم المتحدى التي ستنظر في مشروع العقوبات على ايران. وزاد أن عقوبات صارمة على ايران يمكن ان تكون إغراء مريحاً لنتانياهو ليقنع وزراءه المتشددين بوجوب تمديد فترة تعليق البناء. وخلص بن إلى القول إن مفتاح تحسين العلاقات مع واشنطن والاستفادة بالتالي في المشروع الايراني، هو بيد نتانياهو الذي سيضطر إلى حسم أمره بين التعاطي بجدية مع المفاوضات مع الفلسطينيين ومسايرة واشنطن، أو قبول نصيحة مستشاره رون دريمر وشركائه من اليمين المتشدد القاضية بوجوب انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات النصفية للكونغرس في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل التي تتوقع الأوساط اليمينية أن يفقد فيها الحزب الديموقراطي غالبية مقاعده، ما سيضعف اوباما». وختم: «يبقى السؤال المستوجب الرد عليه: ماذا يريد نتانياهو حقاً؟».