كانت القوى السياسية العراقية تجهز فرقها الانتخابية لمواجهة ورقة «اجتثاث البعث»، لتمكن مرشحيها من العبور إلى البرلمان الجديد، الذي تجري انتخاباته في 20 نيسان (أبريل) 2014. لكنها، لم تكن مستعدة، كما يبدو، لمواجهة حواجز إضافية، تمنع عدداً من مرشحيها، من المشاركة في الانتخابات. تفرض اللوائح الانتخابية الجديدة، أن يتجاوز أي مرشح، بسلامة، ثلاث محطات، عليه أن يعبر لوائح «حسن السيرة والسلوك»، والجرائم الجنائية، وبطبيعة الحال، أن لا يكون من أعضاء حزب البعث المنحل، حتى لا يشمله الاجتثاث، بتسميته الجديدة، «المساءلة والعدالة». وتحت هذه العناوين «القانونية» حُرِمَ، أخيراً، مئات المرشحين، من مواصلة الرحلة. في تموز (يوليو) 2010، أعلن القضاء العراقي تشكيل محكمة النشر والإعلام، وكان الهدف منها تسوية قضايا حرية التعبير، والفصل بين المتخاصمين تحت بند التشهير، والإساءة. وكان الوسط الصحافي العراقي، يعتقد بأن المحكمة ستحسم مشكلات في العمل الصحافي، لم يكن لها من قبل مرجع قانوني تستند إليه في الفصل بين الخصوم. وأظهرت تجارب لصحافيين عراقيين، أن المحكمة وفرت، إلى حدٍ ما، حماية للمادة الصحافية التي قد تزعج مسؤولين تنفيذيين، وسياسيين نافذين. وربح صحافيون عراقيون دعاوى كان رفعها سياسيون، اعتقدوا، في شكواهم، أنهم تعرضوا إلى الإساءة من نقد جاءت به مواد صحافية مختلفة. وشهدت السنوات القليلة الماضية، خسارة مسؤولين عراقيين كبار، دعاوى ضد صحافيين، لأن المحكمة وجدتهم غير مذنبين. كانت المحكمة، في العموم، تمثل لعدد من أبناء المهنة رافعة «قضائية» لحمايتهم. ويظهر لاحقاً، أن مرشحين لانتخابات البرلمان صاروا مضطرين لزيارتها، بينما يصعب الخروج منها، من دون أضرار. وتنص المادة الثامنة من قانون الانتخابات العراقي، على أن يكون المرشح «حسن السيرة والسلوك وغير محكوم بجريمة مخلّة بالشرف». في مقابلة تلفزيونية، ظهر مثال الألوسي، أحد قادة التحالف المدني الديموقراطي، في برنامج «استوديو التاسعة، الذي تبثه قناة البغدادية. ووجه انتقادات لاذعة لنوري المالكي، رئيس الحكومة. ساق الألوسي اتهامات للمالكي تتعلق بسوء الإدارة، والتفرد.. كان هذا قبل أن تبدأ الحملات الانتخابية للكتل المشاركة في الانتخابات. وحين تسلمت مفوضية الانتخابات، قوائم المرشحين من الكتل السياسية، شرعت إلى تصفية الأسماء من المشمولين بلوائح الاستبعاد... كان الألوسي من بينهم، لأنه «أساء استعمال حق العبير للتشهير بموظف تنفيذي». لكن حكماً قضائياً، صدر من هيئة تابعة لمحكمة عراقية، في 19 آذار (مارس) 2014، سمح للألوسي بالمشاركة في الانتخابات، وجاء في نص القرار، أنه لا يمكن النظر في التهمة، من دون أن يقدم رئيس الحكومة شكوى ضده. لذلك لم تعتبره مذنباً. لكن في اليوم التالي، أصدرت محكمة قضايا النشر والإعلام، مذكرة قبض بحق عون الخشلوك والنائب السابق مثال الألوسي والإعلامي أنور الحمداني، بناء على شكوى تقدم بها رئيس الوزراء، وزير الداخلية وكالة، نوري المالكي. وجاء في لائحة الدعوى الجديدة، التي قدمها المالكي للمحكمة، أن الحلقة التلفزيونية لبرنامج «استوديو التاسعة»، شكلت أركان جريمة الإخلال بالأمن الداخلي، والتحريض على الفوضى والعنف الطائفي، ووصفت المالكي بالطائفي والفاسد والديكتاتور». والحال، أن التباساً شديداً يكتنف قضايا النشر والإعلام، إذ يغطي الجانب السياسي على «الحدود الفاصلة»، وفقاً للقانون العراقي، في شأن حرية التعبير، خصوصاً ما يتعلق بانتقاد شاغلي المناصب التنفيذية. وما يزيد الالتباس، ذلك الازدواج الذي خلفه اعتماد نصوص قانونية تعود إلى عهد نظام صدام حسين، تفرض عقوبات على «منتهكي» حرية التعبير. ومثل الألوسي ثمة مرشحون يحرمون من الانتخابات، على خلفية خرق قواعد «النشر». ومن يراقب المحطات الفضائية العراقية، ووسائل إعلام سمعية ومقروءة، يمكنه بسهولة مشاهدة خروقات لقواعد النشر يرتكبها سياسيون من كتل مختلفة، بما فيها كتلة المالكي، لكنها تمر من دون ضجيج. المساءلة والعدالة لو تمكن المرشح من تجاوز محكمة النشر، والهيئة القضائية التي تنظر في «السيرة والسلوك»، عليه أن ينجح في تجاوز لوائح «المساءلة والعدالة». تقول مصادر من هيئة المساءلة والعدالة، الجهة المعنية باجتثاث أعضاء حزب البعث المنحل، ومنعهم من الترشح للانتخابات، إن نحو 500 مرشح، هم أعضاء سابقون في حزب البعث المنحل، وعناصر عملوا سابقاً في جهاز مخابرات نظام صدام حسين. هؤلاء ليسوا من أعضاء البرلمان الحالي، كما تقول المصادر، كما أن غالبيتهم من حزب الدعوة الإسلامية، بزعامة نوري المالكي، والكتلة العراقية، بزعامة إياد علاوي. وسألت «الحياة»، أعضاء في حزب الدعوة، عن هذا العدد الكبير من مرشحيه المشمولين بالمساءلة والعدالة، أجابوا بأنه لا يمكن لأي فريق السياسي التأكد من «سلامة» المرشح، وان هذا الأمر من صلاحية الهيئة. وأخيراً، أكد مسؤولون في الهيئة، في تصريحات صحافية، ان عدد المشمولين بالاجتثاث تناقص بعد قبول طعون من مرشحين بقرارات اجتثاثهم. يحرص القضاء العراقي الدفاع عن استقلاله مراراً، وهو بذلك يتحرك بين ألغام سياسية تتكاثر، كلما اقترب موعد الاستحقاق الانتخابي، لكن اللوائح التي يعمل بها تتوافر على ثغرات تسمح للسلطة السياسية استعمالها لتصفية حسابات انتخابية. ويهدف سياسيون نافذون إلى تقليل مخاطر المنافسة الشرسة، عبر إبعاد مرشحين من الانتخابات. ويجري الحديث عن ان المالكي، أحد اكبر المستفيدين، من تلك الثغرات. وقد شرع البرلمان العراقي لوائح زادت من التباس الوضع القانوني للمرشحين، وفي ما يبدو أن القوى السياسية المشاركة في العمل التشريعي نصبت لنفسها فخاً «قانونياً». يجبر قانون الانتخابات العراقي، النواب المرشحين المتهمين بأي قضية، المثول أمام القضاء، لكن بعد ان ترفع عنهم الحصانة. وفي حال تمكن المرشح من الفوز بعضوية البرلمان المقبل، فإنه لن يمثل أمام القضاء إلا بعد أربع سنوات إضافية، هو عمر الدولة التشريعية. ولاحقاً ازداد الالتباس، حين قرر البرلمان العراقي، الزام المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بعدم استبعاد المرشحين غير الصادرة بحقهم أحكام قضائية. لكن قراراً من هذا النوع، لن يكون فعالاً، لأنه وببساطة، لا يمكنه تجاوز قرارات المحكمة. ما يعني ان المرشحين الذين تم استبعادهم بقرار قضائي، لن يشملهم هذا القرار. من الواضح أن المشرعين العراقيين وقعوا في فخ نقص الخبرة، وقد انتج ذلك أرضية قانونية لعملية الانتخابات يشوبها الكثير من اللغط والفوضى والتعقيد. البرلمان العراقي