عدم وضوح فقرات الاتفاق السياسي بين الكتل العراقية قبل استئناف مجلس النواب جلساته في الحادي عشر من الشهر الماضي، ومن بينها مستقبل هيئة «المساءلة والعدالة» المعنية باجتثاث البعثيين السابقين، أثأر جدلاً بين الأوساط السياسية، فيما تصطدم مسألة عودة صالح المطلك وراسم العوادي وجمال الكربولي وظافر العاني، القادة في «ائتلاف العراقية»، بالجانب القانوني، وتحتاج الى تشريع خاص. وقال النائب قاسم الاعرجي، عضو «التحالف الوطني العراقي»، عن «منظمة بدر»، في تصريح الى «الحياة» ان «الرأي في هذا الموضوع منقسم الى اثنين بين الكتل السياسية، الأول يدعو الى تخفيف اجراءات الهيئة في ما يخص الكشف عن البعثيين ومنعهم من الوصول الى مناصب بعينها وابعادهم عن الحياة السياسية وعدم تسييس او شخصنة قرارات هيئة المساءلة والعدالة عبر استغلال القانون الخاص بها، والثاني يدعو الى الغاء الهيئة برمتها، وهذا يستدعي اجراءات دستورية وقانونية تشرعه، كونها (اي هيئة المساءلة والعدالة) تأسست وفق قانون شرع استناداً الى الدستور». الاعرجي يعبر عن قناعة تيار «شهيد المحراب» (وهي التسمية التي تطلق على «المجلس الاعلى الاسلامي العراقي» بزعامة عمار الحكيم)، و «منظمة بدر» بقيادة النائب هادي العامري، بأن «ما جرى مع بعض المرشحين من (ائتلاف العراقية) خلال الانتخابات البرلمانية التي أجريت في آذار (مارس) الماضي، كان بدوافع شخصية، وساهم برفع رصيد القائمة في الشارع عكس ما كان الهدف من مثل هذه القرارات». وقال ان موضوع مستقبل المساءلة والعدالة ما زال ثانوياً في ظل التركيز على قضايا حكومية ملحة حالياً. وتنص المادة 25 من قانون «هيئة المساءلة والعدالة»، على ان «يكون لمجلس النواب حق حل الهيئة بعد انتهاء مهمتها بموجب قانون». ورفض مسؤول في الهيئة فضل عدم ذكر اسمه، الاتهامات الموجهة الى الهيئة بتسييس قراراتها وقال في تصريح الى «الحياة» ان «هذه ادعاءات باطلة ونحن لم نصدر اي قرار من دون سند قانوني، كما ان كل قرارات الهيئة تخضع لاجراءات الطعن والتمييز لدى هيئة قضائية مستقلة تابعة لمجلس القضاء الاعلى ما يعني ان كل الطرق الى شخصنة او تسييس قرارات الاجتثاث مغلقة». ولفت الى ان «الهيئة الى الآن لم تنفذ الا جزءاً يسيراً من المهمات التي كلفت بها بموجب القانون، وتمحور نشاطها خلال السنوات الماضية على الكشف عن البعثيين ومنعهم من التسلل الى العملية السياسية او التسلق الى مناصب مهمة». وأضاف ان «المادة 3 من قانون المساءلة والعدالة نصت، بالاضافة الى منع حزب البعث فكراً وادارة وسياسة وممارسة من الوصول الى السلطة وتطهير مؤسسات القطاعين الحكومي والمختلط وغيرهما من منظومة الحزب المنحل، على تكليف الهيئة احالة عناصر حزب البعث المنحل والاجهزة القمعية التي يثبت التحقيق ادانتها عن افعال جرمية مرتكبة بحق ابناء الشعب الى المحاكم المختصة لتنال جزاءها العادل وتمكين ضحايا جرائم حزب البعث والاجهزة القمعية ومن خلال مراجعة الجهات المختصة من المطالبة باستيفاء التعويض عن الاضرار التي لحقتهم جراء تلك الجرائم والمساهمة في الكشف عن الاموال التي استحوذ عليها ازلام النظام البائد بطرق غير مشروعة في داخل العراق وخارجه وإعادتها للخزينة العامة والمساهمة في اعادة بناء مؤسسات الدولة على اسس علمية وقانونية بعيدة من اساليب التسلط والممارسات الفوقية غير الديموقراطية». وتابع: «اما المادة 4 من القانون فأشارت الى تبني الهيئة (تقديم الأدلة والوثائق التي تتوافر لدى الهيئة عن الجرائم التي ارتكبها عناصر حزب البعث والاجهزة القمعية بحق المواطنين الى القضاء العراقي من طريق مكتب المدعي العام في الهيئة) و (تلقي الشكاوى من المتضررين جراء الممارسات وجرائم عناصر حزب البعث والأجهزة القمعية، وجمع الأدلة والوثائق والمستندات عن الجرائم المذكورة) وتقديم (الدراسات والتوصيات اللازمة من خلال التنسيق مع الجهات ذات العلاقة لتعديل او الغاء التشريعات التي اصدرها النظام البائد وكان من شأنها افادة ازلام النظام المذكور على وجه الخصوص دون بقية فئات الشعب الاخرى) و (خدمة الذاكرة التاريخية للفظائع والمعاناة في ظل نظام (البعث المنحل) لتحصين الاجيال من السقوط مرة اخرى في براثن الطغيان والاضطهاد ولبث روح التعايش والمصالحة والسلم الاهلي والعدالة والمساواة والمواطنة بين العراقيين). ونصت المادة نفسها على (استكمال تعريف اولئك الافراد المشمولين باجراءات الاجتثاث خلال فترة لا تتجاوز سنة ونشر قائمة باجراءات الاجتثاث المقررة في هذا القانون بحيث تجمع قائمة بأسماء جميع الافراد الذين خضعوا لهذه الاجراءات موضحة درجة كل فرد وتاريخ صدور امر اجتثاث البعث ذات الصلة. ويتم الاحتفاظ بهذه القائمة في ارشيف حزب البعث المنحل) على ان (تؤول جميع ملفات حزب البعث المنحل الى الحكومة من اجل الاحتفاظ بها حتى يتم تأسيس ارشيف عراقي دائم وفق القانون) بالاضافة الى (المساهمة في تطوير البرامج الاجتماعية التثقيفية التي تؤكد التعددية السياسية والتسامح والمساواة، وتشجب في الوقت نفسه الجرائم والفضائع التي ارتكبها النظام السابق وثقافة الحزب الواحد والتهميش والاقصاء). وغالبية هذه الفعاليات مناطة بالهيئة والى الآن في حاجة الى تنفيذها كمرحلة اولى لاعلان انتهائها من مهماتها القانونية، ومن ثم يقوم مجلس النواب بإصدار قانون خاص لحلها. كما اشار المصدر الى ان «واحدة من المهمات الكبيرة الملقاة على عاتق هيئة المساءلة والعدالة وفق المادة 11 من القانون هي محاكمة حزب البعث المنحل كنظام لارتكابه الجرائم ضد الشعب العراقي، وهو امر بحد ذاته يستغرق وقتاً طويلاً». وعلى رغم بروز الكثير من الجدل حول مفردات الاتفاق السياسي الذي وقعه رئيس الحكومة نوري المالكي مع رئيس «القائمة العراقية» اياد علاوي ورئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني حول قضية اجتثاث البعث، فان الاسابيع السابقة لم تشر الى وجود توجه الى الغاء «هيئة المساءلة والعدالة» بقدر تركيز جهود العراقية على رفع قرارات الاجتثاث عن مجموعة من قادتها. وطالب عضو «العراقية» فتاح الشيخ اخيراً بالاسراع في تطبيق قرارات مبادرة بارزاني رفع الاجتثاث عن مجموعة من قادة «العراقية» وبينهم صالح المطلك وظافر العاني وجمال الكربولي وراسم العوادي. وقال عضو «التحالف الوطني» فوزي اكرم ترزي ان «إجراءات رفع الاجتثاث تندرج في إطار التهدئة التي يتطلبها الوضع العراقي». لكن النائب عن كتلة «الأحرار» عدي عواد طالب بأن «يكون رفع إجراءات المساءلة والعدالة عن المشمولين بالاجتثاث بعيداً من الاتفاقات السياسية والضغوط الإقليمية». من جانبه، نفى كمال الساعدي القيادي في ائتلاف «دولة القانون» الذي يتزعمه نوري المالكي وجود اي اتفاق بين الكتل السياسية على إلغاء هيئة المساءلة والعدالة. وقال ان «الاتفاق لم ينص في أي من بنوده على إلغاء «هيئة المساءلة والعدالة» أو تغيير قانونها، وأن ذلك «يحتاج الى تعديل دستوري وقانوني يصوت عليه البرلمان واستفتاء شعبي ولا يضمنه اتفاق سياسي لأن الهيئة منصوص عليها في الدستور الذي نص أيضاً على إجراءات التعديل». وفي مقابل وجود بوادر الى الغاء عمليات الاجتثاث عن «قادة العراقية» فان الوسط السياسي العراقي يتوقع احداث تغييرات في هيكلية هيئة «المساءلة والعدالة» بدلاً من الغائها. وكانت اعتراضات انطلقت قبل الانتخابات حول عدم تطبيق البرلمان لقانون هيئة «المساءلة والعدالة» ما يسمح بتحديد هيكليتها والمسؤولين عنها في نطاق تقاسم متوقع لمناصب الهيئة بعد ان كانت مقترحات تقاسم مناصب الهيئة فشلت في ظل الخلافات بين القوى التي شكلت البرلمان السابق. مستقبل هيئة «المساءلة والعدالة» قضية يتوقع لها ان تستمر باعتبارها شاغلاً سياسياً في العراق خلال الفترة المقبلة، كوسيلة لقياس مستوى التوافق السياسي في هذا البلد.