تتجه الأوضاع الأمنية في إقليمجنوب السودان الذي يتمتع بحكم ذاتي إلى التعقيد بعد تصاعد مواجهات بين «الجيش الشعبي لتحرير السودان» الذي يسيطر على الإقليم وميليشيات مناوئة له تسعى إلى تحالف سياسي وعسكري معارض للحكومة الإقليمية. ويأتي ذلك في ظل مخاوف من أن يؤدي انهيار الأمن إلى تعطيل الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب وتجدد الحرب بين شمال البلاد وجنوبها. وقالت مصادر ديبلوماسية أجنبية في الخرطوم ل «الحياة» إن ثلاث ميليشيات عسكرية تُنسّق لعقد تحالف بينها خلال المرحلة المقبلة على أن يضم التحالف القائد العسكري غبريال تنج في ولاية الوحدة الغنية بالنفط ووزير الخارجية السابق لام اكول في منطقة أعالي النيل والقائد العسكري جورج أتور في ولاية جونقلي الذي انشق عن «الجيش الشعبي» عقب فشله في الانتخابات الأخيرة. وأشارت إلى أن تلك الميليشيات تسعى إلى تحرك عسكري للسيطرة على بور عاصمة ولاية جونقلي لتوجيه رسالة قوية إلى حكومة الجنوب في جوبا. وتوقعت المصادر ذاتها أن تسعى تلك الميليشيات إلى كسب تعاطف الرأي العام في الجنوب والاستناد على ثقلها القبلي لإقناع قيادات جنوبية سياسية وعسكرية بالانضمام إليها لتهديد سلطة رئيس حكومة الإقليم سلفاكير ميارديت. وتعتقد «الحركة الشعبية» التي يتزعّمها ميارديت أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم وراء تلك الميليشيات من أجل إحداث فوضى في الجنوب تعطّل إجراء الاستفتاء الذي يمكن أن يقود إلى انفصال الجنوب عن الشمال. لكن «الجيش الشعبي» حذّر القائد المنشق عنه جورج اتور من أن صبره قد نفد، بعد مقتل اثنين من جنوده وجرح اثنين آخرين في اشتباكات وقعت بين مجموعة استطلاعية للجيش مع قوات اتور. وأكد الناطق باسم «الجيش الشعبي» كوال ديم أن جيشه استطاع تحديد أماكن تواجد اتور، وقال ل «الحياة» إن قوة استطلاعية قوامها 11 عسكرياً وجدت بالصدفة أماكن تواجد اتور وقواته، مشيراً إلى وقوع اشتباكات في قرية باو دياك في مقاطعة فور فولج أسفرت عن مقتل اثنين من جنوده وإصابة اثنين آخرين. وكشف ديم عن رسائل بعث بها اتور إلى رئيس هيئة أركان «الجيش الشعبي» جيمس هوت يدعو فيها إلى الجنوح للتفاوض والحل السلمي للقضية، وقال: «نريد منه إجابة قاطعة إن كان يريد حلاً سلمياً للمشكلة أم الحرب؟». وتابع: «نريد أن نمنح الحل السلمي فرصة، ولكنّ للصبر حدوداً». وقلل ديم من حجم قوات اتور وسخر من التقارير الواردة في شأن مهاجمته مدينة بور، وقال إن اتور موجود في جنوب السوباط التي تبعد أميالاً عن بور، وأكد أن المجموعة مع اتور أقل من مئة شخص إلى جانب ثلاث سيارات بما فيها سيارته الشخصية. ويطالب جورج أتور بإلغاء نتائج الانتخابات وحل حكومة جنوب السودان الحالية وتشكيل حكومة انتقالية تضم كل القوى السياسية في الجنوب إلى جانب المرشحين المستقلين للإشراف على إجراء الاستفتاء، محذّراً من اندلاع حرب شاملة في الجنوب في حال عدم استجابة مطالبه، مؤكداً انه ليس وحده لكنه يحظى بتأييد داخل «الجيش الشعبي». ونفى اتور تلقيه أي دعم من حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وقال إن المزاعم بأنه يتلقى الدعم من الخرطوم مجرد «كذب». وأضاف: «ليس لدينا أي اتصال مع الحكومة السودانية ولا مع حزب المؤتمر الوطني». وتضاربت المعلومات عن عدد القتلى في معركة وقعت الأربعاء بين قوات اتور و «الجيش الشعبي» في ولاية جونقلي، إذ ذكرت تقارير أن العشرات قتلوا في حين أكد أتور مقتل أربعة أشخاص وإصابة خمسة آخرين من عناصره في مقابل مقتل 83 من الجانب الآخر. واتهم أتور قيادات «الحركة الشعبية» بتزوير الانتخابات الأخيرة في الجنوب وإيصال من وصفهم ب «اللصوص» إلى السلطة. وقال: «قد نتفق مع حزب المؤتمر الوطني وأعضاء الحزب الذين قاطعوا الانتخابات في الجنوب». وكان أتور تمرد بعدما خسر الانتخابات التي أجريت الشهر الماضي على منصب حاكم ولاية جونقلي خاضها في شكل مستقل بعدما فشل في الحصول على ترشيح «الحركة الشعبية». إلى ذلك، يزور القاهرة غداً السبت مساعد الرئيس السوداني نافع علي نافع ومستشاره مصطفى عثمان إسماعيل، في زيارة تستغرق بضعة أيام. ويلتقي المسؤولان عدداً من المسؤولين المصريين والمثقفين وممثلي وسائل الإعلام، وذلك بعد معلومات رائجة عن أزمة مكتومة بين القاهرةوالخرطوم بعد استقبال الأولى رئيس «حركة العدل المساواة» خليل إبراهيم. وكان وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ومدير الاستخبارات عمر سليمان زارا الخرطوموجوبا أخيراً. وأثار طلب الخرطوم من الشرطة الدولية «الإنتربول» تسليم خليل الموجود في مصر غباراً في سماء العلاقة بين السودان ومصر، عقب غضب الرئيس عمر البشير خلال لقائه أبو الغيط وعمر سليمان الأحد الماضي لاستضافة القاهرة خليل إبراهيم. من جهة أخرى، قال مسؤول أممي إن القرار المفاجئ الذي اتخذته الحكومة السودانية الأسبوع الماضي بإعادة سفيرها لدى الأممالمتحدة عبدالمحمود عبدالحليم من نيويورك إلى الخرطوم جاء بضغط من المبعوث الرئاسي الأميركي إلى السودان سكوت غرايشن. غير أن الناطق باسم الخارجية السودانية معاوية عثمان خالد نفى ممارسة غرايشن ضغوطاً على الخرطوم لحملها على إبعاد عبدالحليم من نيويورك، موضحاً أن نقل السفير كان في إطار ترتيبات إدارية عادية لوزارته، موضحاً أن عبدالحليم تجاوز الفترة المقررة أصلاً وهي أربع سنوات إلى خمس سنوات ونصف، مشيراً إلى أن السفير يحظى بثقة الرئيس البشير ووزير الخارجية.