رب أسرة دهمه السرطان وابنان معوقان، أحدهما لا يستطيع حتى رفع يده، وزوجة تحمّلت الآلام بصمت وصمدت أمام العوز والفاقة. كل ذلك لم يكن كافياً، فازدادت الأمور سوءاً، بعد أن اضطرت الأسرة المحطمة إلى النزوح على إثر أحداث الحدود اليمنية.ما سلف هي حال أسرة علي الشراحيلي، الذي أجهز سرطان الفم على ثلاثة أرباع لسانه، وأفقده القدرة على الكلام والأكل، وجعله يعيش على السوائل منذ نحو ستة أشهر، خصوصاً بعد أن دب اليأس في نفسه وأيقنت أسرته أن فرص شفائه ضئيلة، لعدم توافر الرعاية الطبية وضيق ذات اليد. وبات شراحيلي عاجزاً عن الكلام، سوى من مفردات متقطعة لا يكاد المستمع يفهمها، مستعيناً بلغة الإشارة كلما دهمه الألم: «أنا راض بقضاء الله وقدره، وأتمنى أن أجد ما يخفف على أسرتي قسوة المرض قبل أن يستشري السرطان في بقية جسدي»، موضحاً أن ما يجعله قلقاً ويزيد من أوجاعه هي حال ابنيه المعوقين. ويضيف: «لا أعلم الغيب، لكن قلة حيلتهما وعجزهما سيؤديان إلى ضياعهما في حال وفاتي، فهما في حكم الصغار بل أشد ضعفاً». ويعاني الابن الأكبر «محمد» من إعاقة شديدة منذ نحو 25 عاماً، فهو لا يستطيع تحريك جسده، ولذلك ظل طوال تلك السنوات حبيس الفراش، ويعتمد على والدته التي أنهكها العجز والفقر، خصوصاً بعد مرض رب الأسرة. ولا تخفي زوجة المريض ووالدة المعوقين آمنة جبران «أنهم يواجهون ظروفاً صحية ومادية بالغة السوء»، مضيفة: «زادت حياتنا بؤساً بعد أن نزحنا من قرية المحجف الحدودية». وتتابع: «بعد أن فاجأنا مرض زوجي وظهرت التقرحات والطفح الجلدي على جانب لسانه، ثم بدأ النزيف وتأكدنا من طريق الأطباء بأنه مصاب بسرطان الفم، اضطررت إلى بيع كل ما نملك من ماشية، مع أنها كانت تسترنا من الحاجة إلى الآخرين»، مؤكدة أن زوجها لم يحصل على الخدمة الطبية اللازمة بسبب عدم حصولهم على وثائق رسمية، بل تم الاكتفاء بمنحهم تصاريح. وتؤكد آمنة أنهم لا يملكون من هذه الدنيا سوى ثياب بالية تستر أجسادهم، مستدركة أن ظروفاً خارجة عن إرادة زوجها منعته من تصحيح وضعه وحصوله على الجنسية السعودية، «كان زوجي وحيد أمه التي رفضت فكرة خروجه من القرية منذ كان شاباً، ولذلك قضى حياته في القرية معتمداً على رعي الماشية إلى أن أصابه المرض مع خروجهم من القرية وبدأت حالته في التدهور يوماً بعد يوم». لم تستطع آمنة إخفاء دموع خرجت عنوة رغماً عنها، «أبلغنا الطبيب بالورم الذي أصاب زوجي، وأكد ضرورة خضوعه لعناية طبية فائقة وعلى وجه السرعة، إلا أن ظروفنا المالية حالت دون ذلك، إضافة إلى وجود ولدين معوقين لا يستطيعان عمل شيء من دوني»، معتبرة أنها وأسرتها بين فكي كماشة مكونة من الفاقة والمرض. وتعيش الأسرة المعوزة في خيمة بسيطة تهتز أعمدتها عند كل عاصفة، «لا أعلم أين أذهب برجل مريض وأولاد معوقين فليس لنا مكان غير قريتنا التي كانت لنا الستر قبل الأمن». أما الابن الأكبر «محمد»، فتحدث بنبرة حزن وصوت خافت، «أعاني من شلل كامل في أطرافي وأعجز حتى عن طرد الذباب عن عيني، وما يجعلني أشعر بالمرارة ويجبرني على البكاء طويلاً هو شعوري بأنني حمل ثقيل على والدتي، التي طعنت في السن وتتابعت عليها الأمراض والأحزان»، موضحاً أن إعاقة شقيقه الأصغر ما هي إلا حلقة صغيرة من ضمن سلسلة مصائب ومآسي أسرته طوال سنوات. ويستدرك: «لن أفقد الأمل ورحمة الله قريبة على رغم سوء الحال، فلا هم لي الآن سوى البحث عن فاعل خير يساعدني في توفير كرسي متحرك، مع توفير مصدر رزق مستمر حتى لو كان قليلاً»، مشيراً إلى أن طموحاته توقفت عند مشاهدة الابتسامة على أفراد أسرته وفراش نظيف يقي ظهره من رطوبة الخيمة.