منذ انتهاء قمة الكويت الاقتصادية، وإلقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز خطابه التاريخي بتناسي الخلافات العربية وتغليب مصلحة الأمة العربية على كل شيء، والمنطقة العربية تشهد تطورات سياسية متلاحقة ومهمة في سبيل تفعيل المصالحة العربية التي انطلقت في قمة الكويت الاقتصادية، وجعلها موضع التنفيذ من خلال تمهيد الطريق وإزالة العوائق قبل انعقاد قمة الدوحة في نهاية شهر آذار (مارس) الجاري، لقد شهدت العواصم العربية: الرياض ودمشق والقاهرة والدوحة حركة سياسية مستمرة سواء عربية أو إقليمية للتشاور ووضع الأسس الكفيلة بجعل قمة الدوحة محطة لانطلاق التضامن العربي وفق آليات تكفل الاستمرار والزخم لهذا التضامن، ويضمن لكل دولة عربية حماية مصالحها وفق منظومة المصالح العربية المشتركة والأمن العربي. لقد شعر القادة العرب بأن الكيان العربي مهدد بشكل مباشر، وبتدخلات واختراق سياسي من قوى إقليمية ودولية، تجعل من وجود هذا الكيان بشكل فاعل محل تساؤل، إذا لم يتم تلافي خلافاتهم، وتغليب مصلحة شعوبهم على كل المصالح الأخرى، والبدء بالحوار فيما بينهم بشكل مباشر، خصوصاً مع قدوم حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة، تؤمن بالحلول العسكرية ومصادرة الأراضي، وترفض جميع الحلول السياسية للقضية الفلسطينية، وتشجع على بناء المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة، وهو النهج الذي جعلها تفوز بانتخابات الكنيست الإسرائيلية التي أقيمت بعد مجزرة غزة، مما يعزز النظرة التشاؤمية بأن المجتمع الإسرائيلي لا يزال بعيداً عن نهج السلام مع الفلسطينيين بشكل خاص ومع العرب بشكل عام. إن تفعيل المصالحة العربية بعد قمة الكويت بدأ بزيارات متبادلة ونقل رسائل بين قادة كل من السعودية ومصر وسورية، حيث تضمنت هذه الزيارات، زيارة لرئيس الهيئة العامة للاستخبارات الأمير مقرن بن عبدالعزيز، نقل خلالها رسالة ودعوة للرئيس السوري بشار الأسد من خادم الحرمين الشريفين، في الوقت نفسه كان الأمير سعود الفيصل ينقل رسائل للرئيس المصري حسني مبارك، وكذلك وصول عدد من مسؤولي مصر وسورية وغيرهما من الدول العربية إلى المملكة لمقابلة خادم الحرمين الشريفين للتشاور وتنقية الأجواء وتمهيد الطريق للمصالحة العربية بشكل كامل، إن هذا الحراك السياسي بين الدول العربية دليل على أن هذه الدول مصممة على تفعيل مصالحة قمة الكويت، وجعلها «خريطة طريق» لوضع استراتيجية عربية طويلة الأجل، تساعد الدول العربية على مواجهة التحديات والتطورات السياسية في المنطقة العربية بشكل حازم وحاسم، من منطلق تغليب المصلحة العربية على كل مصالح ضيقة تفرضها تحالفات إقليمية أو دولية. لذلك نجد أن انعقاد قمة الرياض المصغرة بدعوة من المملكة ومشاركة كل من مصر وسورية والكويت، كانت نقطة انطلاق ومحطة مهمة قبل انعقاد قمة الدوحة، وذلك من أجل المصارحة بين الأشقاء والذهاب إلى قمة الدوحة برؤية موحدة تجاه مختلف القضايا العربية والإقليمية والدولية، لتكون قمة ناجحة وتبتعد عن النمطية العربية في القمم السابقة، حيث ستمثل ملفات عربية وإقليمية عدة نقطة النقاش والحوار، سواء بالاتفاق أو بالاختلاف بين الدول الفاعلة في المحيط السياسي العربي، خصوصاً المثلث السعودي المصري السوري، الذي يمثل الثقل العربي في المواقف السياسية الساخنة والمؤثرة، كما أن هذا المثلث هو المحرك الرئيس للمواقف العربية، سواء في حالة الاتفاق أو الاختلاف، مما يجعل التفاهم بين هذه الدول محل اهتمام كل العرب، خصوصاً في وقت الأزمات العربية. هناك عدد من القضايا العربية التي تمثل نقطة التقاء أو اختلاف بين الأشقاء العرب من ناحية المعالجة لها، على رغم أن الجميع متفق على أهميتها وأولها القضية الفلسطينية التي تحتل المركز الأول في أولويات الاهتمام العربي، لكنها تمثل نقطة الخلاف بين الدول العربية من ناحية معالجتها، حيث هناك رؤى مختلفة تجاه التعامل مع القضية الفلسطينية وطريقة حلها منذ احتلال إسرائيل لفلسطين عام 1947 وحتى اليوم، شارك فيه الفلسطينيون بشكل كبير بين مؤيد للحلول السياسية ومعارض لها، وتدخلت في هذا الانقسام الفلسطيني أماكن وجود بعض القوى الفلسطينية بتبنيها لمواقف الدول المستضيفة لهم، كما أن بعض القوى الإقليمية ونتيجة الخلافات العربية تجاه حلول القضية الفلسطينية، بدأت تدخل وتؤثر على الساحة الفلسطينية بشكل ملموس، مما يعزز ويعمق الخلافات الفلسطينية وكذلك الخلافات العربية تجاه التعامل مع القضية الفلسطينية والحلول المطروحة لمعالجتها، ومنها المبادرة العربية التي تبنتها الدول العربية جميعها في قمة بيروت. كما أن القضايا العربية الأخرى، كالوضع اللبناني، واحتلال العراق، ومشكلة دارفور في السودان، والوضع الصومالي، هي من أولويات الاهتمام العربي، إلا أن الخلاف هو حول التعامل معها، مما يجعل المصارحة والتفاهم بين الدول العربية أمراً مهماً وحتمياً، من خلال الاتفاق حول هذه القضايا بما يحفظ للكيان العربي وحدته وقوته السياسية بشكل فاعل، ومنع الاختراق للكيان العربي من القوى الإقليمية المحيطة بالوطن العربي، وقد كانت رسالة المملكة العربية السعودية واضحة في هذا الاتجاه، حيث عبّر عنها وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل، خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني للمملكة، بأن التعاون مع إيران يجب أن يكون عبر الشرعية العربية. إن ما يدور من أحاديث سياسية عن الحوار الأميركي الإيراني سيكون له انعكاسات مؤثرة على الوضع العربي، خصوصاً في العراق ولبنان وفلسطين، حيث تتبنى الإدارة الأميركية استراتيجية الحوار مع إيران في الملفات كافة، مما يعزز التكهنات بأن توقيت هذا الحوار هو في مصلحة إيران، نظراً للوضع العسكري المتدهور لقوات التحالف الغربي في أفغانستان، وكذلك عدم الاستقرار السياسي والأمني في باكستان، إضافة إلى قرار تسريع الانسحاب الأميركي من العراق، علماً بأن إيران لم تبدِ حتى الآن أي مرونة في أي من الملفات العالقة بينها وبين الغرب، خصوصاً في ما يتعلق بملفها النووي، مما يعزز التكهنات بأن الحوار سيكون في صالحها، سواء في إعطائها الوقت الكافي في ما يتعلق بملفها النووي، أو التنازل لها من قبل الغرب عن بعض الملفات العالقة بينهم، كما أن الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية، وانخفاض العائدات المالية لإيران بسبب انخفاض أسعار البترول سيحتم على الطرفين تبني استراتيجية الحوار بدلاً من المواجهة من أجل الوصول إلى تفاهم أتمنى ألا يكون على حساب المصالح العربية. إن العرب، وبعد قمة الكويت الاقتصادية، والخطاب التاريخي التصالحي الذي ألقاه خادم الحرمين الشريفين، مدعوون لنبذ الخلافات والتوحد تجاه القضايا الرئيسة والتخندق في مواقف موحدة، والابتعاد عن التحالفات الإقليمية التي لن تكون مفيدة لهم، واتخاذ مواقف موحدة وقوية تجاه القضايا العربية من فلسطين إلى العراق ولبنان والسودان، والتعامل مع القوى الإقليمية المحيطة بالوطن العربي بموقف موحد وبصوت واحد.