لأكثر من قرنين من الزمان حافظت سويسرا على حيادها، ما حولها إلى وسيط دولي مقبول لرعاية مصالح الدول المتنازعة، وتلك التي قطعت علاقاتها الديبلوماسية وتعذر عليها التواصل مع خصمها الموقت في شكل مباشر. وجاء إعلان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أول من أمس عن تعيين سويسرا ممثلة لمصالح السعودية في إيران، ومصالح إيران في السعودية، امتداداً لهذا الدور الذي تلعبه الدولة المحايدة منذ سنوات طويلة. وكانت الرياض قطعت علاقاتها الديبلوماسية مع طهران مطلع كانون الثاني (يناير) الماضي بعد إحراق عناصر إيرانية للسفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد على التوالي. ومثلت سويسرا مصالح الولاياتالمتحدة الأميركية في إيران منذ العام 1980، ولا تزال تقوم بالدور ذاته حتى بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران (ودول 5+1)، الذي يرفع العقوبات عن طهران تدريجياً ويمنحها فرصة استعادة العلاقات الطبيعية مع معظم دول العالم. مبدأ الحياد الذي تنتهجه سويسرا يعد أحد المفاهيم المعقدة في القانون الدولي العام، وجاء ظهوره للمرة الأولى ضمن اتفاقات 18 تشرين الأول (أكتوبر) من العام 1907، ووقعت النصوص التي تحدد حقوق والتزامات الدول المحايدة في مؤتمر لاهاي الثاني، وينص أحد بنود تلك الاتفاق على أنه لا يحق لدولة محايدة المشاركة المباشرة في نزاع مسلح أو مساعدة أحد الأطراف في النزاع من خلال تزويده بالرجال أو السلاح. وبحسب بيان صادر عن الخارجية السويسرية فإن موضوع تمثيل مصالح البلدين كان «النتيجة الرئيسة» لزيارة وزير الخارجية السويسري ديدييه بوركهالتر إلى الرياض أول من أمس، إذ التقى خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ووزير الخارجية عادل الجبير. وعادة ما يشير الباحثون وصناع القرار إلى التجربة السويسرية عند الحديث عن الحياد، إذ كانت سويسرا أول دولة يعترف بحيادها رسمياً في مؤتمر فيينا في العام 1815، وأثناء الحربين العالميتين، ركزت سويسرا على التحول إلى قاعدة لتوفير المساعدات الإنسانية ومركز لديبلوماسية الحرب الباردة. ما حولها إلى ملتقى للأطراف كافة. وخلال المؤتمر الصحافي قال الجبير: «عرضت سويسرا أن تكون الدولة التي تراعي مصالح السعودية في إيران، ونحن في المملكة نقدر ذلك وقبلنا هذا الدور لسويسرا من أجل تسهيل الإجراءات للحجاج والمعتمرين الإيرانيين للقدوم للمملكة لأداء الحج والعمرة». وأضاف الجبير: «هدفنا ألا يتأثر المسلمون في إيران في ما يخص قدرتهم على القدوم إلى بيت الله الحرام في أي وقت يشاؤون، ونحن نقدر لسويسرا عرضها لرعاية مصالح المملكة في إيران، وسنجري محادثات معهم لوضع النقاط على الحروف لإنهاء هذه الإجراءات خلال الأيام المقبلة». وأكد الوزير السويسري من جهته أنه سبق وأن طرح الموضوع مع الجانب الإيراني، وتلقى على ذلك «رداً إيجابياً». ويبدو أن سويسرا ستقوم برعاية المصالح السعودية في إيران على الأقل في المدى المنظور، في ظل تأكيد وزير الخارجية السعودي بأن «الإيرانيين يعلمون تماماً ما عليهم فعله إذا ما أرادوا تحسين علاقاتهم مع المملكة. ما تقوم به إيران من أعمال عدوانية تجاه المملكة يجب أن يتغير»، متطرقاً إلى جوانب عدة منها دعم المتمردين الحوثيين في اليمن، وتدخلاتها في لبنان وسورية والعراق.