أكد صندوق النقد انهيار النمو الاقتصادي في معظم آسيا واستبعد احتمال حدوث تحول إيجابي مبكر معلناً أن «أمام الاقتصادات الآسيوية طريق طويل إلى الانتعاش». وعبّر عن دهشته «من حدة تأثر آسيا بالأزمة المالية الاقتصادية العالمية، ليس بسبب بعدها الجغرافي عن مركز الإعصار فحسب، بل لكونها أحجمت عن التورط في الممارسات المالية التي أوقعت المصارف الأميركية والأوروبية في مشاكل خطيرة». ولاحظ خبراء المؤسسة الدولية أن آسيا دخلت كذلك الأزمة بأساسيات اقتصادية متينة، لكنها تأثرت بمضاعفاتها بقوة وسرعة أكبر من تأثر حتى اقتصادات مركز الإعصار، مشيرين إلى أن الاقتصادات الآسيوية، باستثناء الصين والهند، انكمشت بما يصل إلى 15 في المئة في الفصل الرابع من 2008 واستمرت في الانكماش في الفصل الأول من السنة الحالية، بينما لم تتعد نسبة الانكماش الفصلية في أميركا وأوروبا ستة في المئة. وكشفوا في تحديث لتوقعات النمو الآسيوية أمس، أن آثار الأزمة لم تستثنِ في شقيها المالي والاقتصادي، أياً من دول «آسيان» الخمس المنخفضة الدخل والاقتصادات الآسيوية الناشئة، ولم ينجُ من الإعصار الصين والهند اللتان ارتبطتا بعلاقة تجارية استثمارية استراتيجية جديدة مع الدول العربية الخليجية، منذ الجولة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى البلدين في 2006. وخفض خبراء الصندوق نمو آسيان إلى الصفر في 2009 من نحو 5 في المئة في 2008. ولفتوا إلى أن هذه النتيجة الكارثية التي تواجهها بلدانٌ هي في غالبيتها ذات كثافة سكانية عالية ومستويات مرتفعة من الفقر، ستكون أكثر حدة في ماليزيا وتايلاند والفليبين حيث تراوح معدلات الانكماش المتوقعة من صفر إلى 3.5 في المئة. وسيكون الانهيار أقل وقعاً فقط على إندونيسيا وفيتنام، إذ سيبقى النمو إيجابياً على رغم تراجعه بحدة عن 2008. لكن خسائر الاقتصادات الآسيوية الناشئة لن تقل فداحة، وتوقع خبراء الصندوق انكماش الناتج المحلي لأربعة بلدان هي كوريا الجنوبية وهونغ كونغ وتايوان وسنغافورة بين 4 و10 في المئة في 2009 معربين عن خشيتهم في أن يكون الانهيار الذي بدأ في الأشهر الأخيرة من السنة الماضية، حاداً وطويلاً في هذه البلدان فيما عدا كوريا التي يتوقع أن يتعافى اقتصادها مبكراً، لكن ليس قبل 2010. وبدا خبراء الصندوق أقل تشاؤماً إزاء فرص النمو في الصين والهند. ففي الصين توقعوا نجاح حزمة الحفز الاقتصادي الضخمة التي أقرتها بكين أواخر العام الماضي، في دعم الطلب المحلي لتحقيق نسبة نمو قريبة من المستوى الذي تعتبره الحكومة ضرورياً لتوفير فرص العمل، متوقعين تراجع النمو من 9 في المئة في 2008 إلى 6.5 في المئة في 2009 قبل أن يرتفع إلى 7.5 في المئة في 2010. أما في الهند، التي انحصر تأثرها بالأزمة في انكشافها على التدفقات الاستثمارية الخارجية وهي في ذلك حالة خاصة بين الاقتصادات الآسيوية التي تعتمد في درجات كبيرة، وإن متفاوته على التصدير وتأثرت بانهيار الطلب العالمي فتوقع خبراء الصندوق انخفاض نمو ناتجها المحلي من 7.3 في المئة في 2008 إلى 4.5 في المئة في 2009 لترتفع بعد ذلك إلى 5.6 في المئة في 2010. وحذّر خبراء الصندوق من أن أكبر الأخطار التي تواجه الاقتصادات الآسيوية الناشئة والمنخفضة الدخل، لا يكمن في احتمال تأخر الانتعاش الاقتصادي في أميركا وأوروبا فحسب، بل في احتمال آخر لا يستبعد أن يبدأ هذا الانتعاش المتوقع منتصف السنة المقبلة ضعيفاً، مشددين على أن الاقتصادات الآسيوية قد تضطر إلى إعادة النظر في اعتمادها على التصدير لمصلحة إيجاد بدائل محلية للنمو. لكنهم أوضحوا بأن انهيار النمو لا يعني أن الاقتصادات الآسيوية ستخسر الفائض الضخم الذي حققته موازين مدفوعاتها الخارجية في السنوات الماضية، مشيرين إلى أن انخفاض أسعار النفط بما يزيد على 60 في المئة من ذروة تموز (يوليو) 2008 وتراجع الواردات الآسيوية جراء تقلص النمو، من شأنهما أن يعوضا هذه الدول عما تخسره بسبب انهيار الطلب على صادراتها. ولفتوا إلى أن الصين والهند، اللتين دعمتا أسعار النفط عندما ساهمتا بنسبتي 45 و30 في المئة على التوالي من زيادة الطلب على الخام في السنوات الأخيرة قبل الأزمة، ستحافظان على ميزاني مدفعوعاتهما الخارجية من دون تغيير يذكر في السنتين الحالية والمقبلة وستنجح الاقتصادات الناشئة الأخرى في زيادة فوائضها التجارية بينما تعاني دول آسيان فقط من تراجع طفيف في فوائض موازينها.