حتى سنوات قليلة ماضية كان الحديث عن الاحتفاء باليوم الوطني من أشباه المحرمات، لدرجة يتداول فيها المعارضون فتاوى تحرم الاحتفاء باليوم الوطني، وينشطون عن طريق وسائل عدة في الجوامع والمؤسسات التعليمية خصوصاً. ويتذكر المعلم فهد العنزي حين كان يدرس في مدرسة في إحدى قرى منطقة الرياض قبل نحو 10 أعوام، كيف كان الحديث عن الاحتفاء باليوم الوطني يقابل بهجوم كاسح من معلمين في تخصصات عدة ينشطون بالإنكار في مثل هذه المناسبات. وقال إن نسبة كبيرة من المشرفين التربويين كانوا يتغاضون عن فعاليات وبرامج عدة تقام قبل اليوم الوطني، تنكر وتندد بالاحتفاء باليوم الوطني. وأضاف: «كان هؤلاء المشرفون لا يتخذون أي إجراء ضد المدارس التي لا يتم فيها ترديد السلام الوطني». وقال إنه أقنع مشرفاً تربوياً أنكر الاحتفاء باليوم الوطني بطريقة عملية، وأضاف: «بالغت في نقد القرية التي ينتسب لها المشرف التربوي، ما دعاه إلى الغضب، وحين هدأ غضبه، قلت له إن الوطنية شيء جميل يشعرك بالانتماء إلى وطنك، تغضب حين يتم التطاول عليها، وتفرح في مناسباتها». هذه المعارضة العنيفة كما يصفها العنزي بدأت تخف عاماً بعد عام، حتى صار الاحتفاء باليوم الوطني في المدارس من الأمور الأساسية، وصار النشيد الوطني يردد كل صباح، لدرجة أن المعلمين لا يتحرجون في ترديده مع طلابهم. أما في الشأن العام، فإن الاحتفاء باليوم الوطني أوجد ثقافة جديدة على السعوديين، فلم يألفوا السيارات المزينة بالأعلام السعودية والتي تطوف الطرقات في اليوم الوطني، ليعبّر أصحابها بعفوية عن حبهم لوطنهم. وإن كانت تلك المسيرات تشوبها بعض السلبيات، فهي موقتة كما يصفها أحمد الرويلي، مضيفاً أن تلك المظاهر السلبية المرافقة لاحتفالات الشبان باليوم الوطني، ستتلاشى في الأعوام المقبلة، حين يدرك الشبان أن الاحتفاء بوطنهم لا يعني إثارة الشغب والتعدي على حرية الآخرين. في السياق ذاته، استبعد تربويان يعملان في قطاع التربية والتعليم أن تمارس إدارات بعض المدارس «تصرفات غير وطنية»، كإلغاء النشيد الوطني في الطابور الصباحي من دون أسباب أو حجج مقنعة، مؤكدين وجود مدارس لا تستطيع تأدية النشاط المدرسي بسبب ظروف مختلفة. وأكدا أن قرار أداء النشيد الوطني «أمر لا يقبل النقاش ويدخل أساساً في سياسة التعليم السعودية، ولا يمكن لكائن من كان أن يتلاعب بقرار إقامته أو يحاول إلغاءه وعدم الإلتزام به». وأوضح وكيل مدرسة الرهناء فهد الزهراني أن موضوع إلغاء النشيد الوطني ليس من اختصاص إدارات المدارس، «فهو قرار وزاري يدخل في سياسة التعليم السعودية، ولا يمكن لأحد أن يحاول التلاعب في قرار كهذا»، لافتاً إلى أن النشيد الوطني يعزز انتماء الطلاب لوطنهم. وقال: «ليس من الصحيح أن يشاع أن مدارس أو معلمين يحولون دون إقامة النشيد الوطني أو تنفيذه، وإنما هناك بعض العوائق التي تحول دون تنفيذه، خصوصاً بالنسبة إلى المدارس التي تكون في مبانٍ مستأجرة، فهي وفي أحيان كثيرة لا تستطيع إقامة طابور صباحي، كونها لا تملك ساحةً كبرى وشاسعة تستطيع أن تجمع فيها طلابها». وأضاف: «يجب حل هذه المشكلة سواء بتحويل بعض المدارس ن المباني المستأجرة إلى مبان جاهزة ومؤهلة بكل الإمكانات الداخلية والخارجية، وتوجد فيها ساحة كبيرة لجمع الطلاب خصوصاً أثناء الطابور الصباحي، أو بترديده داخل الفصول وقبل بدء الحصص المدرسية». بدوره، أكد المعلم ممدوح القحطاني أن أداء النشيد الوطني يؤثر بلا شك وبشكلين مباشر وغير مباشر في تعزيز انتماء الطلاب إلى وطنهم، ويعمل على غرس القيم الخالدة التي تمنح طريقاً مضيئاً للشباب في ولائهم لأوطانهم، ويربي فيهم إحساسهم بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم نحو هذا الوطن نظير ما قدّم لهم من خيرات لا مجال لذكرها. وأوضح أن من تقدير الوزارة لهذا الأمر وإجلالها له أن أقرت في فترة ماضية تطبيق برنامج رقابي يتعلق بمدى التزام المدارس بمختلف مراحلها بأداء النشيد الوطني (تحية العلم) في متابعة المدارس في مختلف المراحل، ووجهت بتسهيل مهمتهم وتزويدهم بكل ما يحتاجون إليه، مشددة على جميع الإدارات بالالتزام عند بداية اليوم الدراسي وضمن فعاليات الاصطفاف الصباحي في جميع المدارس بأداء النشيد الوطني (تحية العلم) ووسط متابعة من المشرفين التربويين ومنسوبي الإدارة. وقال: «رفع العلم والسلام الوطني ضرورة وطنية وجدانية لا غنى عنها للطلبة وهم يتلقون العلم في مراحله المختلفة، إذ يعبّر عن حب الطالب للوطن والانتماء للأرض، فيما تعد كلمات السلام الوطني من المقومات الأساسية لتعزيز الهوية وترسيخ أصول ومبادئ التربية في نفسه، فضلاً عن تشكيلها علاقة إيجابية بين الفرد ومجتمعه».