في تكريس للتقارب بين الفاتيكان والكنيسة الروسية التي يتبعها أكثر من 130 من أصل 250 مليون أرثوذكسي في العالم، تعانق البابا فرنسيس وبطريرك موسكو وعموم روسيا للأرثوذكس كيريل في مستهل لقاء تاريخي في كوبا اعتبر الأول منذ نحو ألف سنة بين رأسي الكنيستين الشرقية والغربية منذ انفصالهما في 1054. وبعد التحية، تحدث البابا والبطريرك لدقائق مبتسمين أمام عدسات المصورين في قاعة بمطار خوسيه مارتي في هافانا. وقال البابا فرنسيس «التقينا أخيراً، نحن إخوة. واضح أنها إرادة الله». وقال البطريرك كيريل: «الأمور أوضح الآن»، ثم عقدا خلوة برفقة المترجمين والمسؤولين الذين أعدوا اللقاء وسط تكتم تام. واستمر اللقاء ساعتين، واختتم بتوقيع إعلان مشترك دعا إلى الدفاع عن القيم المسيحية في العالم، وتطرق إلى الاضطهاد الذي يتعرض له الأرثوذكس والكاثوليك في الشرق الأوسط. واللقاء الذي حاول الفاتيكان عقده منذ عشرات السنين، بقي طي الكتمان حتى اللحظة الأخيرة، لأن الاعتراضات كانت كثيرة في إطار البطريركية. وكان البابا قال في مقابلة أجريت أخيراً: «يمكن أن تعطي روسيا كثيراً للسلام في العالم»، وتحدث عن «تباينات» في تحليل ثورات «الربيع العربي». ورأى الخبير الفاتيكاني ماركو بوليتي أن العلاقات الوثيقة بين البطريركية والكرملين «أعطت اللقاء أبعاداً استراتيجية، إذ من السذاجة الاعتقاد أن المرونة المفاجئة للبطريرك لا ترتبط بوضع روسيا في هذه اللحظة الجيوسياسية»، مشيراً إلى الدور الذي تنوي موسكو الاضطلاع به مع واشنطن «في سبيل تثبيت الوضع السوري ودرء الإرهاب». لكن الناطق باسم البطريركية ألكسندر فولكوف نفى هذه التحليلات، مشدداً على أن «لا علاقة للقاء بالسياسة بنسبة مئة في المئة». وأمل «في آفاق جديدة للتعاون المتبادل» بين الأرثوذكسية الروسية والكاثوليكية، لكنه لم يتحدث مع ذلك عن مرحلة نحو «الوحدة» بين الكنيستين. وبسبب الارتياب حيال كنيسة كاثوليكية تعتبر مرتدة، وأزمة أوكرانيا التي شارك فيها روم كاثوليك إلى جانب كييف ضد موالين لروسيا، تتزايد الأحقاد ضد روما حتى لو تجنب الكرسي الرسولي إدانة سياسة بوتين في أوكرانيا. وبعد لقائه البطريرك كيريل في كوبا، انتقل البابا فرنسيس إلى مكسيكو، حيث استقبله مئات آلاف الأشخاص على امتداد مسافة 18 كيلومتراً التي تفصل بين المطار والسفارة البابوية. وأنشدت الحشود «فرنسيس أخو الشعب المكسيكي»، في ثاني أكبر بلد كاثوليكي في العالم، والذي يزوره البابا لمدة خمسة أيام وسط تدابير أمنية يؤمنها 13250 شرطياً. وستكون زيارته مليئة بالخطوات الرمزية، خصوصاً تلك لمدينة شياباس (جنوب ) حيث سيدافع عن حقوق ثقافات السكان الأصليين، ثم إلى سيوداد خواريس على الحدود الأميركية، حيث توجيه رسالة حول حقوق المهاجرين. وسيزور البابا الأرجنتيني في هذه المدينة التي وصفت لفترة بأنها عاصمة الجريمة، سجناً يعد أحد الأخطر في أميركا اللاتينية. وعشية وصول البابا، شهد سجن مونتيري في الشمال مواجهات بين سجناء، أفضت إلى مقتل 49 شخصاً، ما كشف سلطة العصابات داخل السجون. وتفيد إحصاءات بأن 80 ألف شخص قتلوا و26 ألفاً آخرين يعتبرون مفقودين في أعمال العنف في المكسيك منذ 2006. وسيترأس البابا في سيوداد خواريس قداساً على الحدود يحضره آلاف الأشخاص الذين سيستمعون إلى عظته عن الهجرة في إحدى أهم مراحل رحلته، قبل أن يعود إلى روما. دعوة الى المصالحة وانقاذ مسيحيي الشرق الاوسط وشمال افريقيا أسف البابا فرنسيس وبطريرك موسكو وعموم روسيا للأرثوذكس كيريل، في إعلانهما المشترك، «لفقدان الوحدة» بين المسيحيين، والتي أملا في أن يساهم لقاؤهما التاريخي في «استعادتها»، و «تحقيق المصالحة في ظل التوتر بين الكاثوليك والأرثوذكس». وأورد الإعلان: «إننا منقسمون بجروح تسببت بها نزاعات ماضٍ بعيد أو حديث، وخلافات موروثة عن أجدادنا في فهم ايماننا بالله وشحه. نأسف لفقدان الوحدة التي لا يزال يجب تجاوز عقبات عدة لتحقيقها، لكننا لسنا متنافسين بل أشقاء، وهو ما يجب أن تظهره أعمالنا تجاه بعضنا البعض والعالم».ودعا البابا فرنسيس والبطريرك كيريل الى تنفيذ «إجراءات عاجلة لوقف تفريغ الشرق الأوسط وافريقيا الشمالية من المسيحيين». وأضافا في إعلانهما: «حصد العنف في سورية والعراق آلاف الأرواح، وجعل ملايين الأشخاص مشردين وبلا موارد. ومحاولات تبرير الأعمال الإجرامية عبر شعارات دينية غير مقبولة ابداً. لا يجوز ارتكاب أي جريمة باسم الله». وشدد الإعلان على ضرورة إرسال مساعدات انسانية على نطاق واسع ل «السكان المتألمين واللاجئين الكثيرين في دول مجاورة». وزاد: «لا يمكن ان نبقى لا مبالين حيال مصير ملايين المهاجرين واللاجئين الذين يقرعون أبواب البلدان الغنية». وطالب رجلا الدين بأن تبقى اوروبا وفية لجذورها المسيحية، مع مواصلتها الانفتاح على مساهمة باقي الديانات في حضارتها، وأسفا للنزاع في اوكرانيا الذي «حصد أرواحاً بشرية كثيرة، وتسبب في جروح لا تحصى لسكان آمنين، ووضع المجتمع في ازمة اقتصادية وانسانية خطرة»، مناشدين كل أطراف النزاع «توخي الحذر والتضامن الاجتماعي والعمل للسلام». وشدد الإعلان المشترك على ضرورة ان يبذل المجتمع الدولي كل الجهود الممكنة من اجل وضع حد للإرهاب عبر افعال موحدة ومشتركة ومنسقة، ووجه نداءً ملحاً الى كل الأطراف المتورطة في النزاعات الى التحلي بإرادة طيبة للجلوس على طاولة المفاوضات. اجتماعياً، أكد البابا فرنسيس والبطريرك كيريل قلقهما من ازمة العائلة في بلدان عدة. وأشارا الى ان الزواج «مدرسة للحب والإخلاص، لذا نأسف لوضع أشكال اخرى للتعايش في المستوى ذاته لهذا الاتحاد». ودعا الجميع الى احترام «الحق في الحياة غير القابل للتصرف، في وقت يُحرم ملايين الأطفال من امكانية الظهور الى العالم. كما أننا قلقون من تطور تكنولوجيات التناسل الطبي الاحيائي، لأن التلاعب بالحياة الانسانية مس بأسس الوجود».