قبل انسحاب وزير العدل أشرف ريفي من قاعة مجلس الوزراء اللبناني أمس كانت الجلسة عادية، وعلى جدول أعمالها بنود متراكمة من جلسات سابقة، لكن المشهد تبدل بعد ذلك إذ علق ريفي المشاركة في الجلسات وقرر الانسحاب بعدما أبلغ أن بند إدراج ملف الوزير السابق ميشال سماحة لم يحن أوانه على الجدول لمناقشته وإحالته الى المجلس العدلي. الحكومة التي اجتمعت في السراي الكبيرة، برئاسة الرئيس تمام سلام الذي غادر بعد انتهائها الى ميونخ للمشاركة في «مؤتمر الأمن العالمي» يرافقه وزير الخارجية جبران باسيل، أقرت مبلغ 50 مليون دولار لترحيل النفايات، وسجل وزراء اعتراضهم على تمويل الترحيل، باعتبار ان الاعتراض هو على فكرة الترحيل. وأعطت سلفة بقيمة 138 بليون ليرة الى هيئة «اوجيرو» لدفع الرواتب. وأقرت صرف تعويضات تعاقد لاساتذة. وعلمت «الحياة» من مصادر المجتمعين ان المواضيع التي نوقشت أمس كانت كلها من خارج جدول الأعمال، وأن الجلسة كانت اهدأ من جلسة أول من أمس على رغم السجال الذي حصل في شأن ترحيل النفايات الذي كان بنداً أساسياً، لكن ظل السجال تحت السقف، اذ اعترض وزراء «التيار الوطني الحر» على موضوع الترحيل واعتبروا انه «حل سيء». ورد عليهم الوزير رشيد درباس قائلاً: «نحن معكم فهو حل سيء، وهذا أبغض الحلال. لكن هل لديكم بديل؟ تعذر الحل البديل بالنسبة الى المطامر، ماذا نفعل؟ لا يجوز الرفض للرفض فقط». وهنا توجه الوزير وائل ابو فاعور الى الوزير جبران باسيل بالقول: «لا يجوز التعاطي معنا على اننا خراف سود وانتم خراف بيض، الوزير (أكرم شهيب) جهد كثيراً للبحث عن مطامر بديلة وانتم لم تقبلوها. احترنا معكم نسمع كلاماً بأن هناك من يريد صفقات مشبوهة، وانتم حريصون على المال العام. لا أحد يزايد على أحد، وطلبنا منكم طرح بديل فلم تتجاوبوا، وكنتم ضد المناقصات والمطامر، لم يبق لنا إلا الترحيل، اذا لم تقبلوها ألغوها. البلد أمام مشكلة تتعلق بالصحة البيئية، هناك مئات ألوف أطنان النفايات في الشوارع وأمام المستشفيات والمدارس، نحن ضد الترحيل لكن ما هو البديل؟ فقط ضد ضد ضد. وبعد انتهاء النقاش لم يوافق وزيرا التيار، وتحفظا لكن من دون تعطيل. اما وزيرا «حزب الله» فقد اعترضا بالشكل. واكدا موافقتهما وتضامنهما لأن الوزير وصل الى طريق مسدود. وتمت مناقشة موضوع الشركة البريطانية وحجم كمية الأطنان التي ستُرحل، اذ ان كلفة طن النفايات مع الكنس، هو 200 دولار، ومن دون كنس كلفته 148 دولاراً، وتبين ان هناك مناطق لا تحتاج الى كنس. وتبقى الكلفة خاضعة لهذا المعيار. وتم التوافق على اقتطاع 50 مليون دولار من الصندوق البلدي المستقل، وتحويله الى مجلس الانماء والاعمار لفتح اعتماد لمدة سنة ونصف السنة. وكان باسيل اعترض على وجود مشاريع من خارج جدول الأعمال. ولدى طرح موضوع رواتب «اوجيرو» علق ابو فاعور بالقول: «عبد المنعم يوسف عامل دولة ضمن الدولة، وهو يصادر الصلاحيات، ويقوم بتجاوزات وهناك قرائن عليه. وعلى رغم ذلك يتم التوافق على تحويل المعاشات». كما تمت الموافقة على دفع رواتب 6 اشهر متأخرة للاساتذة التعاقدين. وأثار وزير العدل أشرف ريفي موضوع إحالة ملف الوزير السابق ميشال سماحة الى المجلس العدلي، فرد عليه الرئيس سلام ووزراء بأن الموضوع «موجود على جدول الأعمال وعندما نصل اليه نبحثه، ونحن نتقيد بجدول الأعمال بحسب الأولوية». فعقب ريفي: «هذا الموضوع أهم من أمور كثيرة موجودة على الجدول». فقالوا له: «هذا الملف مهم لكن هناك موضوع ترحيل نفايات وغيرها». ريفي: «انا أرى ان هناك مماطلة وبعد تاريخ 18 الشهر موعد صدور الحكم، لن يعود بإمكان مجلس الوزراء رفعه الى المجلس العدلي، لأن الحكم سيكون مبرماً. لا أعرف لماذا لا يحصل نقاش في هذا الموضوع». وأعلن انسحابه من الجلسة. وبعد انتهاء الجلسة، قال وزير الإعلام رمزي جريج ان الرئيس سلام استهلها بالأسف «لما يحصل أحياناً من تسريب لمداولات المجلس نهاية جلساته»، متمنياً أن تلحق التصريحات التي يرغب الوزراء في الإدلاء بها بعد تلاوة مقررات مجلس الوزراء من الناطق باسم الحكومة. وبعد هذه الملاحظة أشار الى أن «هناك موضوعاً مهماً من خارج جدول الأعمال يتعلق بموضوع ترحيل النفايات وان العقد المتعلق بهذا الترحيل أصبح جاهزاً للتوقيع وانه يقتضي تأمين التمويل اللازم للتنفيذ. وبعد مناقشة هذا الموضوع، حيث أكد الوزراء مواقفهم السابقة منه، كرر المجلس الموافقة على اعطاء سلفة الى مجلس الإنماء والإعمار قدرها خمسون مليون دولار أميركي، من أجل تمويل الترحيل المذكور، على ان يباشر من دون إبطاء إطلاق الخطة المستدامة لمعالجة النفايات ووضعها موضع التنفيذ». وبحث المجلس في بعض المواضيع الطارئة وسائر البنود المدرجة في جدول الأعمال. وبعد المناقشة والتداول، اتخذ المجلس القرارات اللازمة في شأنها، وأهمها: « 1- إعطاء هيئة اوجيرو سلفة لدفع الرواتب قيمتها 138 بليون ليرة لبنانية. 2- الموافقة على مباشرة المتعاقدين للتدريس بالساعة عملهم في الثانويات والمدارس الرسمية منذ بداية العام الدراسي 2015 و2016 لتدريس جميع المواد بما فيها الإجرائية وقبل تصديق عقودهم من المراجع المختصة. 3- تسديد بدلات الأتعاب للمتعاقدين للتدريس بالساعة من الساعات المنفذة قبل تصديق عقودهم وفقاً للأصول موازية للتعويض القانوني المحدد لهم ومن الاعتمادات المرصودة في البند 13- رواتب المتعاقدين، وذلك بموجب قرارات تصدر عن وزير التربية والتعليم العالي». وأرجئ البحث في سائر البنود الى الجلسة المقبلة التي ستعقد الخميس المقبل. وقال وزير العمل سجعان قزي: «نحن كوزراء الكتائب اعترضنا على تمويل ترحيل النفايات لأنه أسوأ الحلول لكن الأسوأ استمرار انتشار النفايات والأوبئة في الطرق. واعترضنا على عدم البحث في ملف سماحة ولكننا لن نعطل». وأعلن رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر ان «توقيع عقود ترحيل النفايات سيتم خلال يومين»، اشفاً عن ان الوجهة هي روسيا. وأوضح ان «سلفة ال50 مليون دولار التي أقرتها الحكومة تمثل دفعة اولى ل6 أشهر». ملف سماحة يُخرج ريفي من الجلسة والحريري يرد: موقفه لا يمثلني انسحب وزير العدل أشرف ريفي من جلسة مجلس الوزراء، احتجاجاً على عدم البحث في بند إحالة جريمة ميشال سماحة على المجلس العدلي، للجلسة الثالثة على التوالي. وصرح ريفي عند المغادرة: «هناك قوة سياسية تحاول أن تعطل وتؤجل هذا البند، وبصفتي وزيراً للعدل أعطي أولوية لهذا البند المهم، لذا أصررت على أن أناقش هذا الموضوع قبل أي موضوع آخر، وأنا معني بإقامة العدالة وإحقاق الحق. هناك نية لتعطيل هذا البند لكسب الوقت، علماً أنه يتعلق بالأمن الوطني والعيش المشترك». وأضاف: «يوم اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ونحن عشية ذكراه ال11، ذهبنا الى القضاء الدولي باعتبار ان هناك منظومة دولية قضائية استثنائية لا نثق بها ولا نعتبر أنها يمكن أن تؤمن لنا العدالة». واذ أكد أنه يعمل مع وزارته على خيارات أخرى في هذا الملف، قال: «لدينا خيارات في وزارة العدل نحضرها وسنطلعكم عليها، لقد سجلت انسحابي وأتفهم رئيس الحكومة ورأيه ونيته ووطنيته، وأدرك جيداً أن بعض القوى السياسية تحاول تعطيل هذا البند، على رغم أن البند مدرج على جدول الأعمال، وهذه القوى تحاول للاسبوع الثالث على التوالي أن تطرح بنوداً ليست على جدول الأعمال وهي مضيعة للوقت». وتوجه ريفي إلى ضريح اللواء الحسن حيث وضع إكليلاً من الزهر وقرأ الفاتحة. وغرد زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري عبر «تويتر» معتبراً أن «موقف الوزير أشرف ريفي لا يمثلني، ولا يزايدن أحد علينا باغتيال (اللواء الراحل) وسام الحسن أو محاكمة سماحة فكل من ارتكب جريمة سينال عقابه». «بدنا نحاسب» ترفض الترحيل وتتوعد بالتصعيد رفض الناشطون المنضوون في حملة «بدنا نحاسب» قرار مجلس الوزراء ترحيل نفايات لبنان. ووعدوا بتحرك واسع غداً السبت. وكان بضع عشرات من الناشطين واكبوا جلسة مجلس الوزراء في يومها الثاني على التوالي، باعتصام في ساحة رياض الصلح، بعدما كانوا نصبوا خيماً في الساحة. وأطلقوا على تحركهم شعار «ولا ليرة»، في تحذير متواصل «من محاولة فرض اي ضريبة تطاول عامة الناس»، وطالبوا الحكومة بكشف الجوانب الغامضة من «صفقة الترحيل»، كما طالبوا ب «تفعيل أجهزة الرقابة». ووجه المعتصمون رسالة الى الحكومة عبر قصاصات ورق وزعوها على السيارات العابرة في قلب بيروت وكتبوا عليها: «ولا ليرة لحكومة فاشلة لا ترى الا جيوب مواطنيها مصدراً لتمويل الخزينة»، «ولا ليرة لحكومة عاجزة عن إقرار موازنة منذ 11 سنة»، «ولا ليرة لحكومة تغض النظر عن اعتداءات بملايين الامتار والدولارات على أملاكها العامة وتطارد من يلمس شرائطها الشائكة»، «ولا ليرة لحكومة عجزت عن إقرار حل بيئي سليم لمشكلة النفايات منذ اكثر من سنة وتتجه الى صفقة ترحيل مشبوهة وغير قانونية»، «ولا ليرة لحكومة أنتجت ادارتها بالتوظيف السياسي خارج منطق الكفاءة وعجزت عن إقرار سلسلة الرتب والرواتب وحقوق التثبيت لموظفيها»، و «ولا ليرة لحكومة لا يعبر أداؤها الا عن الاستهزاء بمصالح الناس وبمطالبهم بصحتهم وبأمنهم». وبعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء واتخاذه قراراً بترحيل النفايات، أعلنت الناشطة في الحملة نعمت بدر الدين انها «صفقة هدر وفساد تم تسليمها لمجلس الإنماء والإعمار الذي عليه الكثير من الأسئلة». وسألت: «كيف يحق للحكومة التصرف بأموال البلديات؟». وأعلنت «ان الحراك سيصعد رداً على تصعيد مجلس الوزراء»، مشيرة الى «تحرك كبير السبت».