أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الخميس في مستهل لقائه نظيره الاميركي جون كيري في ميونيخ، أن روسيا قدّمت عرضاً «ملموساً» لوقف إطلاق النار في سورية وتنتظر رداً أميركياً، إضافة الى بحث إدخال مساعدات إنسانية الى المناطق المحاصرة. وعقدت «المجموعة الدولية لدعم سورية» اجتماعاً أمس في العاصمة البافارية قبل افتتاح «مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي» اليوم. وناقش الاجتماع الذي ضم 17 دولة سبل الوصول إلى حل سياسي للحرب الجارية منذ خمس سنوات في سورية، وإحياء مفاوضات جنيف التي عُلّقت أخيراً، والاتفاق على تنسيق محاربة تنظيم «داعش». كما شارك فيه ممثلون عن جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ودول عديدة بينها السعودية ومصر وإيران وتركيا. وقال لافروف في مستهل اجتماع ثنائي مع كيري في ميونيخ سبق اجتماع «المجموعة الدولية»: «قدمنا اقتراحات ملموسة جداً حول وقف لإطلاق النار». وأضاف: «ننتظر الرد الأميركي قبل عرضه على المجموعة الدولية لدعم سورية». وأكد كيري أن المحادثات ستتناول «كل أوجه النزاع في سورية»، في وقت انتقد الاميركيون بشدة الغارات الروسية دعماً للقوات النظامية التي تشن هجوماً واسع النطاق في محافظة حلب (شمال). وأضاف: «بالتأكيد، في مرحلة معينة، نريد إحراز تقدم حول مسألتي تسهيل وصول المساعدات الانسانية ووقف إطلاق النار». وصرح وزير الخارجية الألماني فرانك - فالتر شتاينماير قبل اجتماع «مجموعة دعم سورية» بأنه سيعمل «على حضّ الجانب السوري بصورة خاصة على القيام بعمل مشترك ضد ارهاب تنظيم (داعش)». وأضاف: «علينا أن نحاول في محادثاتنا مع روسيا حول سورية أن نستغل اهتمامنا المشترك ضد تنظيم داعش للتحرك أكثر وبصورة مشتركة ضده». أما وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس فانتقد قبل مغادرته باريس إلى ميونيخ «الموقف الملتبس» للولايات المتحدة، قائلاً: «بالتأكيد، الروس والإيرانيون يشعرون بذلك (...) وبشار الأسد أعاد بناء قوته». في غضون ذلك، قالت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن الأمر يتطلب بذل كافة الجهود من أجل تحقيق السلام في سورية. وقالت مركل «المناخ الدولي المحيط بالعراق معقد للغاية ولذلك اتفقنا على ضرورة بذل كافة الجهود - اليوم في ميونيخ مثلاً - لإجراء محادثات في شأن مستقبل سورية وإحلال السلام في المنطقة». وقبل الاجتماع، سادت توقعات منخفضة ازاء نتائجه. وقال الخبير جوزيف باحوط من مؤسسة كارنيغي في واشنطن: «لا يزال كيري يعتقد أن في امكانه الحصول على شيء من شخص (لافروف) يكذب عليه بوقاحة منذ عامين». وأضاف: «لا شيء نتوقعه من الاميركيين. إنه مجرد كلام فارغ (...) أصبحوا طرفاً لم يعد يتمتع بأي صدقية»، مؤكداً أن «الخطة البديلة الوحيدة هي أخذ الاقتراح السعودي بإرسال قوات على الارض على محمل الجد». وأبدت أطراف عدة حذراً في شأن وقف سريع للمعارك. وقال الناطق باسم الخارجية الالمانية مارتن شيفر «يصعب التحدث عن وقف لإطلاق النار عندما نشهد أحداث الايام الاخيرة». واعتبر وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف أن على الغربيين ان يتخلوا عن سياستهم «الخاطئة» وبعض «شروطهم المسبقة»، في إشارة الى المطالبة بتنحي الرئيس السوري بشار الاسد. وقال جواد ظريف من ميونيخ للتلفزيون الايراني: «على الدول الغربية أن تدرك سريعاً الحقيقة الاقليمية وخطر» تنظيم «داعش». ويأمل بعض المفاوضين في ميونيخ بالسماح بوصول المساعدات الانسانية الى المدن المحاصرة. وفي حال فشل العملية السياسية فإن ليس لدى الغربيين أي خطة بديلة ما لم يقرروا فعلاً المواجهة المباشرة مع الروس على الارض. مؤتمر ميونيخ وتبدأ اليوم الجمعة الدورة الثانية والخمسون من «مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي» في ظل هيمنة ثلاثة محاور بحث رئيسة على أعماله التي ستستمر ثلاثة أيام، وهي: الحرب المستمرة في سورية، استمرار تدفق اللاجئين إلى أوروبا، ومستقبل النظام الأمني الأوروبي. وعلى عكس مؤتمر العام الماضي، لن تستأثر أزمة روسيا - أوكرانيا بحيز مهم في المؤتمر بعد اعتذار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن المجيء وتمثيله برئيس وزرائه ديميتري ميدفيديف. ويحظى المؤتمر بمشاركة دولية واسعة، إذ سيحضره مسؤولون من 40 دولة، في مقدمهم العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، الرئيس البولندي أندريه دودا، رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس يرافقه وزير الدفاع جان إيف لودريان، ووزير الدفاع البريطاني مايكل فالون. وستشارك من الجانب الألماني أيضاً وزيرة الدفاع أورزولا فون دير لاين التي ستفتتح المؤتمر، ووزير التعاون الإنمائي غيرد موللر ووزير المستشارية الألمانية بيتر آلتماير. وسيبحث المؤتمر مجموعة من النزاعات الدولية والاقليمية، وآليات إدارة شؤون الأمن في العالم. يُذكر أن مؤتمر ميونيخ عقد للمرة الأولى عام 1962 على شكل اجتماع لممثلي وزارات الدفاع للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، وظل يحتفظ بطابعه العسكري البحت حتى عام 1993 ليتحول بعد ذلك إلى منتدى دولي. ويرأس المؤتمر الديبلوماسي الألماني السابق فولفغانغ إيشنغر الذي أعد للمؤتمر تقريراً أمنياً عن العام الجاري 2016 يتضمن مادة واسعة من المعلومات الراهنة حول أزمات العالم وموضوعات الأمن الدولي. وفي تصريح له رأى إيشينغر أن المؤتمر «أثبت في أوقات الأزمات أنه منبر حوار مهم مع روسيا وبقية دول أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى»، مضيفاً أن بإمكان مؤتمر ميونيخ «المساهمة في تنقية علاقات الشرق مع الغرب، وفي حلّ الأزمات سلمياً، وبناء الثقة، وتعزيز الهيكلية الأمنية في أوروبا وتطوير العلاقات الاقتصادية». وكما في كل عام يتهيأ أكثر من 3700 عنصر من القوى الأمنية الألمانية لتأمين حراسة مشددة حول فندق «بايريشر هوف» الذي سيعقد فيه المؤتمر، وقد تم عزل محيطه أمنياً لمنع المتظاهرين ضده من الوصول إليه.