متى يخرج العراق من سياسة الانتقام وتصفية الحسابات الموروثة من عهد صدام حسين؟ اذ يبدو، على طول المسيرة السياسية التي اجتازها هذا البلد منذ عام 2003 تاريخ الغزو وسقوط النظام السابق، أنه معلّق عند تلك النقطة التاريخية، يأبى مغادرتها. نقول هذا الكلام في مناسبة الاعلان عن التحالف بين ائتلاف «دولة القانون» و «الائتلاف الوطني»، واعلان التحالف الكردستاني رغبته في المشاركة في الحكومة مع الائتلافين، الامر الذي يقطع الطريق عملياً على حظوظ اياد علاوي وقائمته «العراقية» في رئاسة الحكومة الموعودة. كان يمكن الانتخابات النيابية الاخيرة وما أفرزته من اعادة انتاج للصراعات الطائفية والمذهبية، أن تشكل محطة على طريق تجاوز الآثار التي خلفتها التركة الماضية. احيت تلك الانتخابات آمالاً، ظهر الآن انها كانت متعجلة، بأن العراقيين، بتصويتهم الاكثري، ولو البسيط، الى جانب القائمة «العراقية»، شاؤوا ان يبعثوا رسالة في الوحدة الداخلية والاصطفاف الوطني. غير أن الرسالة التي بعثتها الحملات على اياد علاوي وخلفيته الحزبية كانت اقوى. فرئيس الحكومة العراقية السابق، الشيعي المذهب، ابتعد من الاصطفاف المذهبي التقليدي، وضم في قائمته وجوهاً اشير اليها بأصابع اتهام من قبل «هيئة اجتثاث البعث»، تلك الهيئة الشهيرة التي باتت عنواناً لسياسة الانتقام المفتوح في بلد بات يحتاج الى قلب تلك الصفحة والعبور الى بناء الدولة. لم تنجح المحاولات التي بُذلت لحرمان علاوي من حقه الطبيعي في محاولة تشكيل الحكومة. ولم يكن هذا الحق يستند الى نتائج الانتخابات فقط، بل ايضاً الى كون القائمة «العراقية» قدمت الصورة الاوسع تمثيلاً لمختلف الشرائح العراقية، وبالتالي فقد كانت مؤهلة اكثر من سواها لتعكس هذا التمثيل في مقاعد الحكومة. ومع فشل هذه المحاولات لجأ التكتلان اللذان يمثلان القاعدة الشيعية الى الائتلاف بينهما، على رغم خلافاتهما السياسية والصراعات الشخصية بين قيادتيهما، وهو ما فهم منه قادة القائمة «العراقية» أن الضغط الايراني هو الذي دفع الى هذا التحالف، لما لطهران من دالة على الجهتين، ولما لها من مصلحة في ابقاء نفوذها داخل الكتلة الشيعية في العراق، وتالياً على موقع القرار الرسمي فيه. اضيف الى ذلك التقاء التحالف الكردستاني مع الكتلتين الشيعيتين، ما يعني ان تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد على هذه الصورة، اذا اتيح له أن يقوم، سوف يكون الطبعة الجديدة لصورة المعارضة العراقية لنظام صدام، وهو ما لم ينكره الفريقان، بل فاخرا به معتبرين انه يؤكد تمسكهم بالتحالفات القديمة التي ادت الى بناء العملية السياسية وتشكيل الحكومة السابقة وكتابة الدستور. من الواضح ان الهدف الرئيس للتحالف الجديد بين الائتلافين الشيعيين الكبيرين هو حرمان السنّة من تأثير ذي ثقل على القرار السياسي، او في احسن الاحوال جعلهم مجموعة تابعة لهذا القرار. وهي الرسالة التي التقطتها القائمة «العراقية» واعتبرت انها لا تهدد العملية السياسية فقط، بل الاستقرار الامني ايضاً، ما يعيد الى الاذهان المقاطعة السنية للعملية السياسية في الانتخابات السابقة وما ادت اليه من استغلال الجماعات الارهابية لتلك المقاطعة. الى ذلك، وربما أهم من ذلك، هناك ما تدفع اليه الاتهامات بشأن تدخل ايران في الشأن السياسي العراقي من ردود فعل وتحفظات من جانب جيران العراق العرب، الذين لم تفلح سياسات حكومة نوري المالكي في التخفيف من هواجسهم. ومن المقلق ان التحالفات الشيعية الجديدة لا تنتج الا مزيداً من هذه الهواجس، فضلاً عن كونها ترسم صورة للعراق في قلب العالم العربي، تحفل بالصراعات المذهبية والانقسامات العرقية، في الوقت الذي يحتاج العراق أن يكون مختبراً للتوحيد، لا مركزاً لتوسيع التمزق المذهبي الذي يعمّ المنطقة.