قبل وأثناء تسنّم باراك أوباما منصبه كأوّل رئيس أميركيّ من أصول أفريقيّة، نشطت التخمينات والتكهّنات والإشاعات حول خططه ومشاريعه المستقبليّة، وكانت بمجملها متفائلة بأنّه سينسف سياسات سلفه جورج بوش التي أظهر معارضته لها، كما بدأت حملة عالميّة قادتها الآمال والطموحات، أكثر من الوقائع والمجريات، راجت بين مختلف الشعوب التي تعاني التضييق والاضطهاد، فرفعت هذه الشعوب صور أوباما الذي أصبح نجم الملايين، ورأت فيه خلاصها، وقرأت في وعوده مستقبلاً مثاليّاً أعاد إلى الأذهان مبادئ ويلسون التي نادت بتحرير الشعوب ومنحها حقّ تقرير مصيرها، وبشّرت بعالم تسود فيه الحرّيّة والديموقراطيّة وينتفي الاستغلال، وذلك بحلّة جديدة تناسب الألفيّة الثالثة. كما تمادى بعض الناس في تعظيم أوباما بالنظر إليه على أنّه سيشتغل لمصلحة الأقلّيّات كونه كان محامياً مدافعاً عن حقوق الأقلّيّات، وبالغوا في التمنّي، بأنّ ذلك قد يكون همّه الرئيس حتّى أكثر من مصلحة أميركا نفسها.. أو أنّه سيكون «نبيّ» أميركا الجديد ورسولها إلى السلام، ولربّما كانت تلك رغبات أوباما نفسه، لكنّ الواقع لا يرتكن للرغبات ولا ينقاد لها. الواقع عقدة تستعصي على الحلّ، بل تزداد تعقيداً بتراكم الأزمات وتأزّم المواقف والأحداث، فوجدنا في بضعة الأشهر القليلة التي مرّت من حكم أوباما أنّه مجبر ومضطرّ لاتّباع سياسات مرسومة سابقاً، (أي سياسات سلفه بوش)، لاسيّما أنّه في دولة مؤسّسات لا دولة إقطاعات وأفراد. بدا ذلك جليّاً في قراراته التي اتّخذها ميدانيّاً في أفغانستان، من جهة زيادة عدد القوّات، وفي باكستان بضرب بعض تحصينات ومواقع طالبان، وحيرته البادية في العراق، من ناحية وعوده بسحب القوّات والواقع العراقيّ المأسويّ على الأرض، وموقفه المحتاط من إيران وطموحاتها النوويّة، وقلقه إزاء معالجة الأزمة الماليّة، وموقفه من الحرب المستمرّة المعلنة منذ سنين على الإرهاب هنا وهناك.. ولم تفلح زياراته المتعدّدة في تغيير السياسات المتّبعة، ولا في قلب الأعداء إلى أصدقاء، لأنّها بقيت في حيّز التواصل والتنظير فقط، لا شكّ أنّها ساهمت في تنشيط بعض الآمال والطموحات التي كان قد خبا بريقها، وكادت أن تبهت، أعاد إليها بزياراته بعض الرونق والانتعاش، لكنّه دائماً يكون محكوماً بعقدة الواقع.. هذه العقدة التي لا تلين ولا تنفكّ، ما يخلق فجوة تتّسع رويداً رويداً بين وعوده وقراراته التي قد يتّخذها كرهاً أو طوعاً بحسب المواقف التي قد تستدعي ذلك. هل سيبحث عشّاق أوباما عن أعذار له في ممارسات إدارته؟! هل حقّاً يستطيع أوباما، مهما أوتي من حنكة ودهاء، أن يغيّر وجه أميركا؟! هل سيتمكّن من تجاوز عقدة عقبة الواقع الكأداء؟! هل سيعتذر عن وعوده الكثيرة التي أطلقها عندما يفشل في معالجة المواضيع التي وضعها نصب عينيه؟! هل نجاحه فقط يعزّي الأقلّيّات بانّها اخترقت أميركا في عقر فكرها ودارها؟! هل يسعى إلى تحسين صورة أميركا أم إلى تغييرها؟! هل انتخاب أوباما يعني نهاية صراع الحضارات المبشَّر به أميركيّاً أم أنّه بداية جديدة للصراع بقيادة أحد أبناء المقموعين بالفطرة والجغرافيا الذي سيصير قامعاً بالضرورة والولاء، والجغرافيا أيضاً...؟! * كاتب سوري.