لا أدري لماذا يقول مذيعو نشرة الأخبار الجوية عندنا، إن الأمطار هطلت وسالت على أثرها الأودية والشعاب، ولا يقولون غرقت إثرها الأنفاق والأرصفة؟ ولا أدري لماذا لا يزال الخوف البدائي المستسلم من الأعاصير والأمطار تراه مضاعفاً في مدننا، بينما لا تجده في أقل المدن تجهيزاً سوى فرحة بدائية بهطول المطر؟ يبدو أن الرياض لم تكن ستعاني كل هذه المعاناة لو تركت الشوارع والأحياء لبدائيتها من دون أنفاق ومن دون إسفلت يسد جلد الأرض، ويمنعه من شرب المطر، وبالتالي فإن ما حدث لم تتسبب فيه الأحوال الجوية، بل سوء تخطيط البشر، فبدلاً من أن تصبح الأنفاق توسعة وشبكة تسهّل المرور، فإنها تتحوّل إلى مسد للماء، تغرق فيها السيارات، وتتعرض حياة أصحابها للخطر. حين يهطل المطر لساعات فقط، فإننا نفقد الإمكان بالتحكم، أو التقليل من حجم الكوارث التي يتسبب فيها المطر، وأيضاً لم يعد بالإمكان التحكم في جعلها سراً أو أخباراً مخففة، فقد نجحت التقنية المتوافرة بين أيادي الناس في رصد وقائع الأزمات والأحداث التي تقع مصورة وحية كما فعلت في كارثة سيول جدة، ثم أمطار الرياض ونشرها عبر وسائل مثل اليوتيوب والبلوتوث وشبكة الإنترنت الواسعة. يوم الاثنين تحوّلت الرياض إلى بركة كبيرة، وفيما كانت الخسائر في الأرواح حتى اليوم مجهولة العدد، إلا أن الأمطار كشفت عن فقر شديد البؤس في بنية المدينة التحتية، وسوء تخطيط في الأحياء وانعدام التصريف، كما رأينا في الأحياء التي غرقت شرق الرياض على سبيل المثال، والسيارات التي طفت في الأنفاق سابحة مثل أبقار ميتة. الصور التي سجلها الشباب تحوّلت إلى منفذ للنكت، مثل صورة العمال الذين ركبوا وسط صناديق القمامة الكبيرة الصفراء، واتخذوا منها مراكب تعبر الماء، فيما شباب سعوديون آخرون يرفعون سراويلهم الطويلة، ويدفعون سيارات تزن طناً، من دون أن يعرفوا ماذا يمكن أن يكلفهم هذا التدخل السريع. وحلت للبعض السخرية، فرسموا صور دلافين تسبح في أنفاق الرياض، في محاولة للتخفيف من هزلية الحدث، وفي يوم الغرقة الشهير، أرسل شباب يحب الطرب نداء عاجلاً بأن يتوقف راشد الماجد عن أغنيته «غرق الغرقان أكثر»، فيما أسهم صناع النكتة في تأليف نكت الحشاشين، الذين يحذرون من رؤيتهم لسمك قرش يطارد الناس في الأنفاق. حين تعج الرياض بالغبار، فإن الناس تختنق، وحين تمطر فإنها تغرق، وفي كلتا الحالين فإن المدارس والجامعات هي الضحية الأولى لتقلبات الطقس، حتى إن الطلبة بدأوا يربطون في لا وعيهم بين المطر وتخلصهم من دوام المدرسة الثقيل، أصبحت العطلة المدرسية هي الجمالية الوحيدة التي يدركها الطلبة عن المطر. حين تغرق الرياض بأنفاقها وشوارعها وبعض أحيائها في بحور من الماء، وتعلن فيها حال طوارئ بسبب ساعات مطر، يصبح الفاعل مجهولاً أو غائباً عن النظر والمحاسبة، وبالمناسبة فالمحاسبة مفهوم إداري لا يحبه البيروقراطيون وبعض المسؤولين، بل ويعتبرونه مصطلحاً غربياً استعمارياً توسعياً دخيلاً، لهذا حين يأتي المطر ويغرق الناس، يرفع كل مسؤول يده قائلاً: وش دخلني هذا المطر؟ [email protected]