تقول الأسطورة إن نبأ الغزو المغولي وصل إلى أهالي حمص فعمدوا إلى إشاعة خبر مفاده بأن من يشرب من مياه نهر العاصي في مدينتهم يصاب بالجنون، وخرجوا لملاقاة الغزاة مرتدين ملابس غريبة وهم يقرعون على الأواني مدعين أنهم مجانين، ونجحت الحيلة ومر المغول بالمدينة من دون أن يدخلوها خوفاً من عدوى الجنون. تبقى هذه الأسطورة التي لا يتوافر سند تاريخي حقيقي لها في التداول، لتشرح ظرف أهالي هذه المدينة و»خفة دمهم» وحس النكتة والذكاء اللذين يتمتعون بها، وهو أمر كثير الحضور بين سكان سورية والبلدان العربية المجاورة، فقلما تخلو نكتة تحكى أو طرفة تروى من شخصية الحمصي. اندلعت الثورة السورية في 2011 وأصبحت حمص مدينة مركزية بالنسبة إلى الثورة، حتى أطلق عليها اسم «عاصمة الثورة» إذ كانت سباقة للمشاركة في التظاهرات منذ طورها السلمي وصولاً إلى بداية تشكيل الجيش الحر رداً على عنف النظام وبهدف حماية المدنيين، وبقيت حاضرة في أخبار الثورة وتطوراتها في أحداث باتت معروفة. الحرب الإعلامية التي مارسها النظام من اللحظة الأولى ضد معارضيه دفعت «الحماصنة» إلى الإدلاء بدلوهم ومقابلتها بالسخرية والنكت في مجال عرفوا بتفوقهم فيه، فانطلقت على موقع «فايسبوك» صفحة «مغسل ومشحم حمص الدولي للدبابات» في أيار (مايو) 2011، ثم صفحة «الثورة الصينية ضد طاغية الصين» في الشهر التالي من العام نفسه، وتجاوز عدد متابعي الصفحتين 300 ألف متابع. قامت هاتان الصفحتان إضافة إلى صفحات أخرى بتناول كل أحداث الثورة على نحو يومي بالسخرية الموجهة ضد النظام بدءاً من رئيسه بشار الأسد وخطاباته وظهوره الإعلامي مروراً بجيشه «جيش أبو شحاطة» وصولاً إلى المدافعين عنه على شاشات التلفزة ممن تم وصفهم بالأبواق والطبول وحتى «الفوفوزيلا» الذي شاع استعماله أثناء بطولة كأس العالم لكرة القدم في البرازيل. وتفوقت صفحة «الثورة الصينية ضد طاغية الصين» بإطلاق فيديوات لخطابات بشار الأسد بعد دبلجتها لتضع صوت أدمن الصفحة «سونغا» الشديد الشبه بصوت الأسد لكن مع مضمون مختلف وساخر يتناول شخص الرئيس ومضمون خطاباته وعلاقاته ب «حزب الله» وإيران، واشتهرت أيضاً بتعليقات «سونغا» على ما يستجد من أفعال النظام وتصريحات «أبواقه». واستمرت الصفحة في التناول الساخر لممارسات النظام ورموزه مستبدلة الثورة السورية بالثورة الصينية، والعاصمة دمشق ببكين، والأسد ب «جينتاو»، أما وزير خارجية النظام وليد المعلم المعروف بسمنته الزائدة فصار اسمه «بليد المعلك»، من دون أن توفر الصفحة فيما تتناوله بأسلوبها الخاص محسوبين على المعارضة كهيثم مناع الذي تحول إلى «هاي سم ماع» أما الممثلة السورية سلاف فواخرجي المعروفة بمواقفها المؤيدة للنظام السوري فأمسى اسمها في الثورة الصينية «تسولافتفو». أضحكت هذه الصفحات مئات الألوف من الشباب السوري المتابع لها، واستطاعت بسخريتها السوداء أن تطلق مواهب كانت دفينة في المجتمع السوري، لكن يؤخذ عليها أحياناً من قبل بعض المتابعين أن بعض تعليقاتها تشوبها أحياناً تعبيرات طائفية أو عنصرية يعتبرها متابعون آخرون تعليقات مفهومة في السياق العام للثورة وتطورات الأحداث ورد فعل طبيعياً على جرائم النظام السوري بحق الثائرين عليه. في السياق الحمصي الساخر أيضاً، حدث في الشهور الأولى للثورة أن سألت إحدى مذيعات محطة فضائية شهيرة عما يجري في المدينة من قصف على الأحياء السكنية، فأجاب الناشط الحمصي بلهجته العامية أن هناك «اطلاق نار على أبو موزة»، وهو يقصد أن هناك اطلاق نار كثيف وكثير في تعبير عامي ساخر ومتداول منذ زمن، لتعود المذيعة وتسأل «أين تقع منطقة أبو موزة في حمص؟». وتحول الأمر نكتة تم تداولها كثيراً ليتلقفها الحماصنة مجدداً ويطلقوا على دوار «السيد الرئيس» (حافظ الأسد) اسماً جديداً هو «دوار أبو موزة»، وبلغ الاسم الجديد من الشهرة حد أن البحث عن «دوار أبو موزة» بواسطة محرك البحث غوغل سيعطي الباحث خريطة تدله على الدوار في مدينة حمص! وتشرح نبال (اختصاصية اجتماعية سورية) أن «السخرية في هذا السياق تأتي كرد فعل مضاد للكبت». وتقول «الشباب الذي عاش كبتاً تعبيرياً وسياسياً على مدى سنوات في ظل حكم ديكتاتوري شمولي يطلق سخريته كشكل من أشكال الانتقام وفي محاولة لكسر المحرمات التي سادت لعقود». وتتابع نبال التي تقيم في لبنان وتعمل مع اللاجئين السوريين أن حمص المشهورة بحس دعابة أهلها شهدت ردود فعل تتمثل في الحزن والصدمة والقلق تجاه عنف النظام وممارساته، ولكن الفروق الفردية بين الناس تبرز بعض أصحاب الذكاء الاجتماعي العالي الذين عبروا عن أنفسهم بطريقة ساخرة ومرحة. وتلاحظ الاختصاصية أنه «كلما ازداد العنف وسفك الدماء تراجعت السخرية وقل التهكم، امام تعاظم مآسي الناس».