«علبة المازوت خلصت، بس الصوبيا بخير»... و «سورية الله مدفيها»... شعاران من حملة أطلقتها صفحة «أنا وأولادي أحق بالمازوت من الدبابة» وجاءت كرد فعل على أزمة النقص الحاد في المازوت التي يعيشها السوريون مع حلول فصل الشتاء. وتبنّت الحملة صفحة «مغسل ومشحم حمص الدولي للدبابات»، وإن على مضض، «فهي أفضل من تنفيذ المبادرة العربية القاضية بسحب الآليات العسكرية من المدن، وبالتالي قطع الأرزاق»، كما كتب على الصفحة بسخرية مضحكة مبكية. دبابة تغلق طريق «هوندا» بضع دقائق فصلت بين بث خبر موافقة النظام السوري على المبادرة العربية، وإطلاق «المغسل»، بالتعاون مع مبادرة «دبابة لكل مواطن»، حملة «معاً لإبقاء الدبابات كوسيلة تسلية لأهالي حمص، أنا بينخرب بيتي إذا انسحبت الدبابات»! كما أصدرت صفحة «المغسل» أغنية جديدة بعنوان «ماتهدديش»، تخاطب الدبابات في الشوارع السوريّة، على غرار أغنية هاني شاكر وفيها «ماتهدديش بالانسحاب، من شوارعنا والغياب، ماتهدديش الحمصي اللي حبّك بالفراق وبالعذاب». «تأسست صفحة المغسل في نيسان (أبريل) الماضي، بعد أيام على انتشار الجيش في حمص»، كما يقول صاحب الفكرة عمّار الحمصي، مضيفاً: «كنت في شارع القاهرة في منطقة الخالدية الحمصية، فشاهدت الدبابات للمرة الأولى في حياتي، وكانت وسخة جداً فخطرت لي فكرة أن يأخذوها إلى المغسل، ثم، كناشط على الإنترنت، فكرت في تأسيس صفحة المغسل، وفعلت». تمّكنت الصفحة الساخرة من جذب أكثر من 3500 مشترك خلال اليومين الأولين، وأشرف عليها عمّار مع صديقه سيزارو الذي اعُتقل لاحقاً، ليصل عدد مشتركيها اليوم إلى 23 ألفاً. وقد أصدرت الصفحة أخيراً بياناً موقعاً من «المجلس الحربي في حمص» جاء فيه: «الدبابة التي تحمل لوحة الرقم 7655 المملوكة للفرقة الرابعة-فرع دبابات، تغلق الطريق على سيارة هوندا سيفيك موديل 90، يرجى من صاحبها تحريكها للأمام قليلاً، نريد أن نلحق التظاهرة بمعيتك». عالمٌ من النكتة والسخرية ولّفه السوريون على الشبكة العنكبوتية، يقوم على نقيضه من واقع القتل اليومي والاعتقالات. «تشكل وسائل الإعلام الرسمية، وتصريحات السياسيين المحسوبين على النظام، إضافة إلى الصفحات المؤيدة، المادة الخام لمعظم التعليقات الساخرة»، كما يقول «سونغا يونغا»، المشرف على صفحة «الثورة الصينية ضد طاغية الصين» والتي وصل عدد أعضائها إلى 36 ألف مشترك. وأعلنت الصفحة رفضها للعقوبات الأوروبية المفروضة على قناة «الدُنيا» أو «الصونيا» كما تلقّبها الصفحة، وذلك «حتى لا نحرم من مصدر نكاتنا ومنبع تعليقاتنا، فغباؤهم يضحكنا»، وفق الصفحة التي طالبت أيضاً بفرض حظر جوي على القناة «لمنع التماسيح من الطيران فوقها». صفحة «الثورة الصينية» أُنشئت صفحة «الثورة الصينية» قبل أكثر من أربعة أشهر، «لتكون مساحة يعبّر فيها السوريون عن آرائهم بحرية ويبثّون مواجعهم بلا خوف من الملاحقة الأمنية»، يقول سونغا، «فهم ينتقدون (الرئيس الصيني هو) جينتاو، وليس الرئيس السوري، وهي لتشجيع المترددين والخائفين من قول كلمة الحق، إضافة إلى تحطيم هالة العظمة التي رسمها النظام حول نفسه خلال العقود الأربعة الأخيرة، فالسخرية أفضل وسيلة لذلك، وهي في الوقت نفسه، تخفف ضغط الأخبار اليومية المؤلمة». ويشير سونغا إلى أن «المعركة الآن مع النظام هي معركة عض أصابع، وسيخسر من يصرخ أولاً، وأمام هذه الجرائم نحن في حاجة إلى قوة مضادّة تخفف وقع الألم، للحفاظ على أعصاب الثائرين... وهي الضحك!». يشرف «سونغا» على صفحة «الثورة الصينية ضد الطاغية»، مع «وانغ شونغ وي». وهما يواجهان «صعوبة شديدة، وإحساساً مريراً بالتناقضات»، وفق سونغا، «وذلك لأنهما «مطالبان برسم البسمة على شفاه المشتركين، على رغم ألمهما إزاء الأخبار». لكنه يؤكد أنهما «يعملان على تحقيق هذه المعادلة الصعبة»، وردود الفعل على الصفحة تشير إلى أنهما ينجحان. «مندسّون» بدأت هذه الصفحات بالظهور بعد الخطاب الأول للرئيس بشار الأسد، والذي وصف فيه المتظاهرين «بالمندسّين»، فتأسست مجموعة «أنا مندس/ة» التي يقر كل منتمٍ إليها ويعترف بأنه، وبكامل قواه العقلية، «مندس في المطالب الوطنية للشعب السوري وسيدافع عن حقه بالاندساس في كل قضايا وطنه السياسية والاقتصادية والاجتماعية». أما الخطاب الثاني للأسد، فأوحى بتشكيل صفحة «كلنا جراثيم»، والتي يتجاوز عدد مشتركيها العشرة آلاف، رداً على كلمة الرئيس التي وصف فيها الأحداث ب «المؤامرات التي، كالجراثيم، تتكاثر في كل لحظة وكل مكان». تعرّف صفحة «كلنا جراثيم» عن أعضائها بأنهم «جراثيم من مختلف أطياف البيئة الميكروبية، مكورات وعصيات، هوائيات ولاهوائيات، في السابق كانوا مستعمرات هاجعة مستضعفة فاقدة المناعة، كانوا متفرقين وكانت الباشاريلا هي المسيطرة على كل شي، إلى أن أصابتنا طفرة حرية وكرامة». الأحداث الدولية أيضاً ألقت بظلالها على صفحات النكتة، بعد إسقاطها على الواقع السوري، كأحداث الشغب في بريطانيا في آب (أغسطس) الماضي. فحاكت صفحة «الله، بريطانيا، إليزابيث وبس... بريطانيا وطننا وأم تشارلز ملكتنا» صفحات المؤيدين بنكهة معارضة وبإسقاطات بريطانية. أوصاف من قبيل «الإمارات السلفية» دفعت النشطاء أيضاً إلى إنشاء صفحة «الثورة الجاهلية ضد أبي جهل»، والتي علقّت على كلام السفير السوري في مقر جامعة الدول العربية بأبيات مقّفاة... ويبقى القول إن السخرية أيضاً «سلاح»... لكنه سلميّ، إلا في ما خص خفقات القلب الذي يثور ضحكاً.