في حين كان آخر علاج الأمراض المستعصية الكيّ، كانت «السخرية» أول علاج للأزمات التي يمر بها المجتمع السعودي الذي نال نصيبه من القضايا والمشكلات، شأنه في ذلك شأن بقية المجتمعات في العالم، لكن أبناءه كوّنوا طريقة سهلة وغريبة للتعاطي مع قضاياه بآلية تخفّف من وقعها، إذ يعرض السعوديون مشكلاتهم في صورة بعيدة من الجدية مهما كانت القضية، ويبحثون في هزلهم عن حلّ لا يلبث أن يتحول في أحيان كثيرة إلى واقع. وفي الغالب، تحدّد أنواع الأزمات طرق حلّها، فبعضها يبدأ باللجوء إلى وسائل التواصل الحديثة لعرض المشكلة، وهو ما تجسده برامج «يوتيوب»، وبعضها الآخر يذهب إلى مراسلة المسؤول مباشرة ومخاطبته علناً عبر حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الحدود الغائبة في مسارح وسائل التواصل الاجتماعي تدفع بعضهم إلى السقوط في المحظور وجرح كثر من المتأثرين بتلك القضايا أو حتى تشويه الصورة العامة للمجتمع. ويرى الاستشاري النفسي الدكتور جمال الطويرقي، أن المجتمع بات ساخراً أكثر من اللازم أمام بعض الأزمات، وقال: «نرى طريقة تعامل الشباب مع بعض أزمات الشأن العام، سواء كانت مادية أم سياسية أم اجتماعية أم رياضية، وتحويلها إلى مادة ساخرة بحثاً عن الضحك، وترى النكات تنتشر مع انتشار الحدث في شكل سريع بين الفئات كافة، ومن بعض الشخصيات التي عرفت بالتهكم والسخرية تطبيقاً لمثل شرّ البلية ما يضحك». ويرى الطويرقي أن النكات تحولت إلى «سلاح ذي حدين: صنع ابتسامة المتلقّي والاستهزاء بأشخاص قد يسبب لهم ذلك ألماً بالغاً، إذ إن تلك السخرية تتناول في كثير من الأحيان قضايا تمسّ كثر من أبناء المجتمع.» ويضيف: «الفكاهة بين الناس قديماً كانت أكثر براءة ولطفاً في مجتمع يقدّس العلاقات بين الناس ويرفض الاستهزاء بهم والضحك عليهم أياً كانت الأسباب، لكن الشباب في الوقت الحالي أصبحوا يتسابقون إلى صناعة النكتة من دون مراعاة للشخص أو القضية». ويرى نائب مدير الإخراج في هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية المخرج بندر عسيري، أن التكنولوجيا ساهمت في تطوير أدوات النكتة والفكاهة لدى الشباب اليوم، وما كان يضحك الجيل السابق من البرامج الترفيهية البسيطة التي تجمع الأسرة ما عاد يجدي نفعاً مع الجيل الحالي الذي بات يعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي عند البحث عن السبق أو حتى في حال رغبته في اختلاق برامج جديدة ومواد ساخرة أو مضحكة». أزمة السكن أو البطالة والغلاء، وانهيار الأسهم وعجز الموازنة وحتى قضايا الفساد، لم تكن في معزل عن التناول وعرض الحلول المختلفة، ففي كل مشكلة تبرز اجتهادات المفكرين والمختصين، وفي الجانب الآخر تصعد السخرية إلى أعلى هرم القضية لتلطيف أجواء التناول المحتدة بين الأطراف المنقسمين بين التأييد والمعارضة وعرض الحلول المقترحة. وتمثل النكتة في نهاية المطاف، متنفساً معقولاً في ظل زحام الحياة الصعبة المملّة وتعقيداتها، وتسارع الوتيرة الحضارية التي تفرز في كل يوم وسيلة اتصال أسرع وأقوى وأدق مما سبقها، ولربما تحولت من وسيلة للإمتاع والضحك والتسلية والمرح إلى أداة جارحة للمشاعر ومضرة بالعلاقات الاجتماعية والعائلية، وخادشة للحياء بأظافر تكنولوجية.