أكثر ما يلفت الانتباه في المشهد السياسي المصري أن الصراع على خوض انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى المقررة بداية الشهر المقبل يدور داخل الحزب الوطني الحاكم وليس بين الحزب وأي حزب آخر. خلصت أحزاب المعارضة منذ سنوات الى أن لا طائل من خوض انتخابات ذلك المجلس الذي ليس له تأثير كبير على صنع القرار أو ممارسة الدور الرقابي في الدولة، وأن التركيز يجب أن يصب على الانتخابات التشريعية لمجلس الشعب الذي يضع القوانين ويقرها ويحق له محاسبة السلطة التنفيذية ويستقطب اهتمام وسائل الإعلام. وعلى ذلك فإن مشاركة القوى السياسية من غير الحزب الحاكم في انتخابات الشورى ستكون محدودة أو بتعبير أدق رمزية حتى لا تتهم تلك القوى بالعزوف عن المشاركة السياسية. في المقابل فإن الصراع يدور ويشتد في المدن والقرى والأحياء المصرية بين المنتمين الى الحزب الوطني لنيل صك الترشح على لائحة الحزب الى درجة ان مشاجرات ومعارك بالأيدي والعصي والمقاعد جرت في اجتماعات نظمها الحزب تحت لافتة «المجمعات الانتخابية» لاختيار مرشحين لتلك الانتخابات! وعلى رغم أن قادة الحزب أكدوا مراراً أن الترشيح يخضع لأسس وقواعد إلا أن كل الانتخابات يحدث فيها الأمر نفسه وينتهي عادة بخوض الذين استبعدهم الحزب الانتخابات في مواجهة مرشحي «الوطني» لتكون المنافسة في دوائر عدة بين مرشح هذا الحزب وآخر مستقل لكنه يحمل المبادئ ذاتها. ودائماً يعود ذلك المرشح إذا فاز في الانتخابات الى قواعده سالماً، فيستعيد عضويته في الحزب الذي يرحب بدوره بالنائب وبمقعده ويعد بعدم تكرر الأمر في الانتخابات المقبلة. على كل حال فإن انتخابات الشورى لن تجري في مناخ سياسي صاخب حتى وإن شهدت بعض الدوائر مشاحنات ومعارك لكنها ستكون في الغالب صراعات لأسباب عائلية أو قبلية. ويبقى السياسي بين «الوطني» وباقي القوى السياسية وعلى رأسها جماعة «الاخوان المسلمين» جاهزاً ومستعداً للانطلاق عند الاعلان عن فتح باب الترشح لانتخابات مجلس الشعب وعندها سيخوض الوطني الصراع على مراحل: الأولى بين أعضائه الراغبين في الترشح، والثانية بين مرشحيه ومرشحي القوى السياسية الاخرى، والثالثة بعد انتهاء الانتخابات عندما يسعى لزيادة حصيلته من المقاعد باستقطاب المستقلين الذين خاضوا الانتخابات على مبادئه. هذا هو المشهد السياسي المصري الذي يتكرر في كل انتخابات، ويعكس أمراضاً يعاني منها الحزب الحاكم وقوى المعارضة في آن. وعلى رغم كثرة الحديث في دوائر المعارضة عن التغيير والانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل وضرورة توافر فرص تنافس متساوية لكل المرشحين، إلا أن انتخابات الشورى وبعدها انتخابات مجلس الشعب لا تؤشر الى أن الانتخابات الرئاسية ستتم في مناخ يرضى عنه الجميع، وستتكرر شكاوى المعارضة وردود «الوطني» واتهامه للأحزاب الأخرى وجماعة «الاخوان المسلمين» بالمبالغة. غير أن المؤكد أن الأحزاب ستجد صعوبات بالغة في تقديم مرشحين للمنافسة على المقعد الرئاسي، أما «الوطني» فلن يعاني أي صراع داخلي، كما الحال في كل انتخابات برلمانية. فمرشح الحزب للمقعد الرئاسي لن ينافسه أي مرشح آخر داخل الحزب الذي لن يجد صعوبة كبيرة أيضاً في ضمان فوز مرشحه برئاسة البلاد مهما كان عدد منافسيه أو طبيعة المنافسة نفسها.