بين «الحرب والسلام» عنوان المعرض الشخصي الثاني عشر للفنان التشكيلي اليمني حكيم العاقل ورواية « الحرب والسلام» للكاتب الروسي ليو تولستوي ينتصب جدل اللون والكلمة لجهة عتبة العنوان كما لجهة المضمون والرسالة. فكلاهما، العاقل وتولستوي، يبحثان من خلال الفن عن طمأنينة ما قد يخلفها الفعل البشري الأعنف. ويحاولان فك رمز هذا الفعل الذي لا يقل إبهاماً عن ألغاز الحياة والموت. وخلافاً ل «حشو واستطراد» لم تخل منهما ملحمة تولستوي الروائية على ما لاحظ النقاد، تميل لوحات العاقل في تصويرها لأهوال الحرب الأهلية التي تعصف باليمن، إلى التكثيف والاختزال. يبدو اللون في أعمال العاقل بمثابة أداة وأسلوب تعبيري. فالأحمر بدرجاته المختلفة يهيمن على فضاء لوحات المدن التي تشهد حرب شوارع أو قصفاً عشوائياً مثل تعز، فيما يحتل الأبيض (لون السلام) حيزاً ضئيلاً وباهتاً في هذه اللوحات. أما تجسيد مظاهر الحرب في المدن شبه الآمنة مثل صنعاء، فيتم من خلال إبراز حركة كتلة الجسد البشري وملامح هلع المدنيين خصوصاً النساء والأطفال. فتعابير الخوف الناجم عن انفجارات المواقع العسكرية التي يستهدفها طيران التحالف العربي، مثل مخازن الأسلحة والمعسكرات، تتقدم واجهة اللوحة، فيما يحضر اللون الأزرق للدلالة على المدن الساحلية التي تشهد قتالاً مثل عدن. في إدانته الحرب الأهلية الثانية التي تشهدها البلاد على خلفية انقلاب مسلح تنفذه منذ 21 أيلول (سبتمبر) 2014 مليشيا الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، يحاول العاقل الحفاظ على مسافة نقدية واحدة من اطراف الصراع وفي بعض اللوحات يستخدم اللباس للتمييز بين المليشيا الانقلابية والمقاومة الشعبية. لوحات المعرض الذي يستمر شهراً، تغطّي مختلف جوانب الحياة الدامية والمشلولة نتيجة استمرار القتال. فلون الخراب يطاول الأنسان والمباني ومشاعر الجزع والخوف والحزن تجاور مظاهر تعطل الحياة اليومية. ينتمي حكيم العاقل الذي درس الفن التشكيلي في الاتحاد السوفيتي (سابقاً) إلى الجيل الثاني من التشكيليين اليمنيين وهو بدأ تجربته بالتتلمذ على الفنان الراحل هاشم علي والذي يوصف برائد الفن التشكيلي اليمني. وما انفكت تأثيرات هاشم علي ومنها الواقعية التعبيرية والاحتفاء باللون حاضرة في تجارب عدد من الفنانين اليمنيين. وإضافة إلى إتقان تفاصيل لوحات «الحرب والسلام» تبدو القصدية واضحة في طريقة توزيع الأعمال المعروضة. فزائر المعرض المقام في غاليري وزارة الثقافة في صنعاء يقع أولاً من جهة اليمين على أعمال تعبّر عن الاستقرار تليها لوحات تبرز بدرجات صادمة الخراب والدمار والخوف لينتهي بلوحات تشي بالطمأنينة مثل فتيات «جبل صبر» بملابسهن الضاجة بألوان تثير البهجة. في سرده للحرب وبحثه عن السلام، يستخدم العاقل زوايا مختلفة لبناء لوحته. فمنظور الطائر أي الرؤية من أعلى، يهيمن على معظم اللوحات المعبرة عن الحرب وأهوالها، فيما ينطلق من زاوية أفقية للتعبير عن معاني الاستقرار متخذاً من الطبيعة والمرأة رموزاً لتاكيد قيمة الحياة و الاحتفاء بها. هكذا تبدو الحرب بما هي منتج بشري صرف، هاجساً مازال يؤرّق الكاتب والفنان منذ «ليو تولستوي» إلى حكيم العاقل وقد تبقى كذلك إلى أمد غير محدد.