تحمل ذاكرة موظفي البريد، طرائف عدة، نتيجة تعاملهم مع الجمهور، إذ لا يزال أحمد عبدالله، الذي عمل في البريد السعودي لأكثر من 22 عاماً، يتذكر الرسائل المسجلة من طريق شريط يحوي فحوى الرسالة، والتي يجتمع لتسجيلها أفراد الأسرة عادة. ويقول: «كنا نتعجب من طريقة تغيير النمط المعتاد للرسائل التي تتم من طريق كتابة رسالة على ورقة، وتوضع داخل مظروف، إذ تتميز رسائل بعض الجاليات بالطرافة، وبطرق مختلفة ومنها الطريقة هذه». ويشير أحمد إلى أنها كانت لزمن طويل «الطريقة المُثلى للمراسلة، وبخاصة بين أفراد الجالية الهندية. وتحمل هذه الطريقة في الإرسال مشاعر مختلفة، فهي تتضمن صوت المرسل، إلى جانب أصوات مختلفة تعني المُرسل إليه». ويضيف: «في السنوات الخمس الماضية، بدأ هذا النوع من الرسائل في الانقراض، شيئاً فشيئاً، حتى بالكاد ترد رسالة مشابهة. ولا أدري ما السبب؟ ربما هو الإنترنت، وخدمة البريد الإلكتروني». ويحكي محمد السليم، موقفاً لا ينساه خلال عمله. ويقول: «كانت فترة انتشار الجمرة الخبيثة متوترة، لكثرة الإشاعات المتداولة. وفي أحد الأيام، وجدنا مظروفاً يحوي مادة بيضاء، ظن الكثير من الزملاء أنها ما كان يعرف ب «الجمرة الخبيثة». وعمت في المكاتب حال الاستنفار التام، خوفاً منها. وبعد فحصها، تبين أنها بقايا طحين، لتعود الأمور كما كانت عليه». أما أكثر ما يتذكر عارف الحقيلي، من طرائف هو تعامله مع «الرسائل الغرامية التي تفوح منها رائحة العطور القوية». ويقول: «مرة أرسل أحد الأشخاص، رسالة إلى زوجته على ما يبدو، اختار للمظروف اللون الأسود، وكتب عليها من المعذب إلى المعذبة. وكانت رسالة غريبة جداً. وهناك رسائل أخرى، لكنني ما زلت أتعجب من كمية الرسائل الكبيرة التي كانت تجهدنا في السابق، لكن الآن العمل أقل». ويؤكد صالح محمد أن كثيرين ممن يتعاملون مع البريد لا يعرفون المبادئ الرئيسية للتعامل معه، فمثلاً هناك من يأتي ليرسل رسالة لا تحمل إلا اسم المرسل إليه فقط، من دون عنوانه». وحين تسأل المُرسل: «لماذا لم تضف العنوان، يجيب بأنه موجود داخل الرسالة ويكفي. وآخر يضع صورته الشخصية مكان الطابع البريدي، حتى يعرفه المُرسل إليه. وهناك تصرفات أخرى تدعو إلى التعجب، وتظهر مدى جهل الناس بطرق التعامل مع البريد». ويشير سعد الحمامي إلى ان الرسائل في السابق كانت «تحوي ديباجة خاصة في المقدمة والمتن، والخاتمة مميزة جداً، لكن مع التعامل الكبير مع البريد الإلكتروني أصبحت الرسالة لا تحمل ذات القيمة، لأن إرسالها أصبح سهلاً جداً. وهذا يذكرني بحادثة قبل سنوات، حين أرسل أحد الأشخاص من الجالية المصرية، رسالة إلى خطيبته. وبعد يوم جاء ووجهه مصفر، يتوسلنا بأن نعيد له الرسالة، وأخبرناه بأنها في طريقها إلى المرسل إليه، فانهار على الأرض، وبعد مساعدته على الجلوس أخبرنا بأنها أرسل رسالة لا تحمل اسم خطيبته، بل اسم فتاة أخرى، كتبه بالخطأ، ووقتها كنا سننفجر ضحكاً، لولا الحال المزرية التي كان يعيشها ذلك الشخص». ويتذكر الحمامي موقفاً لا ينساه بحسب قوله، «جاءتني سيدة عجوز تتوسلني أن أكتب لها رسالة إلى ابنها، الذي لم تره منذ سنتين. وكان قد ذهب إلى سورية، وانقطعت أخباره عنها. ولما فرغت من كتابة الرسالة، طلبت منها العنوان، فأعطتني صورة ابنها. وقالت «لهذا»، فكررت طلبي للعنوان، فردت: «لا أعرفه». وانهارت باكية. وكان موقفاً مؤثراً جداً». ويشير صالح محمد إلى أن أكثر المواقف التي يعتقد أنها «لا تخلو من الطرافة، أن معظم زملائي، وأنا منهم، لا نتعامل مع الرسائل، بل ان معظمنا لا يفتح صندوق بريده، إلا لتسلم الفواتير. وسابقاً كانت الهواية الأبرز لدينا جمع الطوابع البريدية، وكانت هواية تشغل الكثير من الوقت. إلا أنها أصبحت من الماضي، بل كانت تعد في فترة من الفترات هواية أطفال، ولكنني بصراحة أشتاق لها».