لم تعرف العلاقات بين الأممالمتحدة وإسرائيل الودّ ذات يوم، إذ تتهم الأخيرة المنظمة الدولية بمجافاة الحقيقة و»النفاق» و»العداء لإسرائيل»، لكن التهجم على المنظمة وأمينها العام بان كي مون بلغ أول من أمس ذروة جديدة غير مسبوقة في أعقاب تصريح الأخير بأن «دوافع الهجمات الفلسطينية المسلحة هي الإحباط الفلسطيني المتعاظم تحت ثِقل الاحتلال منذ نصف قرن والشلل الذي يصيب العملية السلمية». وبعدما ندد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو بتصريحات بان كي مون واعتبرها «دفعةً قوية للإرهاب»، شاركت وسائل الإعلام العبرية في الحملة على الأمين العام، وعنونت أوسع الصحف انتشاراً «يديعوت أحرونوت» صفحتها الأولى بثلاث كلمات نالت من شخص الأمين العام نفسه حين كتبت «وقاحة الأمين العام». وعلى رغم أن إسرائيل لم تحترم في تاريخها قرارات الأممالمتحدة ومجلس الأمن واستهترت بها، إلا أنها لا توفر كلمات التنديد في كل مرة تتخذ الهيئة الأممية قراراً بحقها. ويعيد الإسرائيليون تاريخ علاقاتهم السيئة بالأممالمتحدة إلى عام 1956 حين احتجت المنظمة على «العدوان الثلاثي» على مصر وعملت على وقفه، وإذ جاء وزراء إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه ديفيد بن غوريون يحذرونه من قرارات الأممالمتحدة رد عليهم باستخفاف: «الأممالمتحدة؟ لا شيء. قَفْر. ليقُل الأغيار ما يشاؤون، وليعمل اليهود ما يريدون». وشكّل حديث بن غوريون «قاعدة» لموقف الدولة العبرية من المنظمة الدولية، وهو ما اعتمده سدنتها أمس في ردهم على خطاب بان كي مون الذي قال: «من طبيعة البشر مناهضة الاحتلال الذي يصبح بعد زمن مصنعاً خصباً للكراهية والتطرف»، مضيفاً أن مواصلة الاستيطان «إهانة للشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي، وتطرح بحق أسئلة أساسية حول التزام إسرائيل عملية السلام». ورفضت إسرائيل حديث بان كي مون بداعي أن ما يقوم به الفلسطينيون هو «إرهاب» لا يختلف عن «إرهاب داعش»، رافضةً ربط العمليات الفلسطينية بالاحتلال مطالبةً باعتباره جزءاً من الإرهاب في العالم. وقال نتانياهو: «القتلة الفلسطينيون لا يريدون بناء دولة، بل يريدون تدمير دولة إسرائيل، يريدون قتل اليهود ليس من أجل السلام، ولا من أجل حقوق الإنسان». وكرر مندوب إسرائيل لدى الأممالمتحدة داني دنون اتهامه مجلس الأمن «بالنفاق». ولم يقتصر الهجوم على أركان الحكومة إنما شارك فيه قادة المعارضة الذين لا يختلفون عن الوزراء في اعتبار الهجمات الفلسطينية «إرهابية». وقال زعيم «يش عتيد» المعارض يئير لبيد إن هناك شعوباً كثيرة أخرى تعيش أوضاعاً أتعس من الفلسطينيين «لكنها لا تحمل السكاكين وتطعن نساء حوامل». وأضاف: «ليس معقولاً أن يبرر أي شخص في العالم، وبالتأكيد ليس الأمين العام للأمم المتحدة، الإرهاب بأنه نتيجة شيء ما». كما شاركت وسائل الإعلام المستقلة، حتى تلك التي لا تتفق مع نتانياهو، في تقريع الأمين العام للأمم المتحدة مثلما فعلت «يديعوت أحرونوت» في عنوانها الرئيس وفي فتح صفحاتها أمام مقالات لامست الردح بالمنظمة الدولية، ووصفتها ب»مسرح التحريض على إسرائيل» و» المنظمة التي تحب أن تكره إسرائيل»، واتهمت الأمين العام بأنه يضفي الشرعية على التحريض والكراهية لإسرائيل». وكان مجلس الأمن عقد مساء أول من أمس جلسة حول الشرق الأوسط، وصف (أ ف ب) خلالها بان كي مون الأنشطة الاستيطانية لإسرائيل بأنها «إهانة للشعب الفلسطيني والقانون الدولي»، وقال إن تغيير السياسات الاستيطانية «أمر مركزي» للتقدم نحو حل الدولتين، ودعا إسرائيل إلى التراجع عن قراراتها بإنشاء وحدات استيطانية جديدة وضم أراض فلسطينية، وإلى وقف إجراءات طرد البدو بالقوة من منطقة القدس. وأضاف أن «التدابير الأمنية وحدها لن توقف أعمال العنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لأنها تعجز عن معالجة الشعور العميق بالاغتراب واليأس لدى بعض الفلسطينيين، وبخاصة الشباب». ولفت الأمين العام إلى أن «الإحباط الفلسطيني ينمو تحت وطأة نصف قرن من الاحتلال وشلل تام في عملية السلام»، مضيفاً أن «الشعوب المضطهدة أثبتت على مرّ العصور أن من الطبيعة الإنسانية الرد على الاحتلال الذي غالباً ما يكون بمثابة حاضنة قوية للكراهية والتطرف». وأشار إلى أن «بداية العام الحالي شهدت مستويات غير مقبولة من العنف وخطاباً عاماً من الاستقطاب في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن ما يسمى الحقائق على الأرض (في إشارة للاستيطان الإسرائيلي) في الضفة الغربيةالمحتلة تحول باطراد دون إمكانية قيام دولة فلسطينية، وتقلل فرصة الشعب الفلسطيني في العيش بكرامة». وزاد أن «التقدم نحو السلام يتطلب تجميد المشروع الاستيطاني الإسرائيلي. إن مواصلة الاستيطان تمثل إهانة للشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي، وتثير بحق أسئلة جوهرية حول التزام إسرائيل بحل الدولتين». وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن انزعاجه الشديد من «تقارير موافقة الحكومة الإسرائيلية على خطط بناء أكثر من 1500 وحدة سكنية جديدة، لافتاً أن «بناء المستوطنات أمر غير شرعي في الضفة الغربيةالمحتلة، مما يزيد من حدة التوتر ويقوّض أي احتمالات على طريق التسوية السياسية». وتطرق بان كي مون في خطابه إلى أعضاء مجلس الأمن للحديث عن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، قائلاً إن «الوضع الإنساني في غزة ما زال محفوفاً بالمخاطر، حيث يواجه السكان مشاكل البطالة والمياه والكهرباء». وشدد الأمين العام على ضرورة تلبية احتياجات السكان ووضعها على رأس الأولويات، محذراً من أن «الأوضاع في غزة تشكل تهديداً خطيراً للسلام والأمن على المدى الطويل في المنطقة». وحث أمين عام المنظمة الدولية الفلسطينيين على معالجة الانقسامات بينهم وتعزيز الوحدة الوطنية على أساس الديموقراطية ومبادئ منظمة التحرير الفلسطينية.