سخر كثير من زملائي الأطباء حين قلت لهم، عندما كانت الحمى الإعلامية عن مخاطر أنفلونزا الطيور والخنازير في قمتها، ان شركات الأدوية الدولية تُغذي هذه الحملات الدعائية المغرضة لتجني الملايين أو البلايين من بيع اللقاحات في بلاد العالم غير المتقدم. اتهمني الزملاء الأطباء بالإيمان بنظرية المؤامرة وعدم الإيمان بالطب والدين، كما فعلوا معي قبل نصف قرن حين أعلنت في نقابة الأطباء أن ختان البنات ضار صحياً واجتماعياً وليست له فوائد أخلاقية أو دينية. مأساة «ديبوبروفيرا» قبل ربع قرن، نشرتُ في مجلة «المصوّر» مقالاً عنوانه: «الخطر الغامض، حقائق جديدة حول حقن منع الحمل»، قلت فيه إن ملايين النساء في العالم «الثالث»، ومنهن «المصريات»، يتعرضن للخطورة بسبب حقن منع الحمل «ديبوبروفيرا» Depo- Provera التي تنتجها شركة «آبجون» الأميركة، وهي تسبّب أعراضاً جانبية تشمل أوراماً سرطانية، وأمراضاً في القلب والأوعية الدموية، وتشوهات خلقية للأجنة. في العام 1969، بدأت شركة «آبجون» UpJohn في استخدام النساء في 90 دولة، منها بلادنا، كفئران تجارب لهذه الحقن، أي ثلاث سنوات قبل استخدامها الحيوانات لهذه التجارب. وفي العام 1972، أثبتت التجارب على الحيوانات (مثل إناث الكلاب والقردة) ان هذه المادة تسبب أوراماً سرطانية. وأوقفت التجارب على الحيوانات في العام 1973. ولم يُعط «مكتب الغذاء والدواء» في أميركا موافقة على استخدام العقار كمُنظّم للحمل عندما أُطلق في العام 1975، بل أُجيز كجزء من علاج سرطان الثدي. ولاحقاً، وافق «مكتب الغذاء والدواء» على استعمال «ديبوبروفيرا» في تنظيم الحمل، مشترطاً اطلاع النساء على آثاره الجانبية. ويزيد في المأساة ان شركة «آبجون» نفسها نشرت نتائج دراسة لها، في العام 1972، تؤكد العلاقة بين هذا الدواء وسرطان عنق الرحم! في المقابل، استمرت الشركة في إرسال هذا الدواء الخطير، بأمر الحكومات أو وزراء الصحة، إلى حوالى 80 دولة، منها مصر والعراق والبحرين والمغرب وعمان والكويت ولبنان وليبيا وقطر والسعودية والسودان وسورية والإمارات العربية المتحدة وبلاد أخرى في أفريقيا وآسيا. يلاحظ أن بعض هذه البلاد ليس فيها إدارة للرقابة على الأدوية المستوردة. وقد ينكمش ضمير وزير الصحة ليقبل عمولة بآلاف المئات أو ملايين الدولارات لإصدار أمره بقبول أدوية ممنوعة في البلاد التي تنتجها. وقد تنبّهت بعض الحكومات لخطورة هذه الحقن، ما جعل شركة «آبجون» ترسلها مباشرة إلى صيدليات تتمتع بحرية الاستيراد والتصدير تحت اسم الليبرالية أو الديموقراطية أو الخصخصة. وضع البنك الدولي أيضاً ضغوطاً على بعض الحكومات لتعقيم النساء بهذه الحقن تحت ذرائع مثل تنظيم الأسرة أو تحديد النسل. وجرى ربط الفقر في العالم «الثالث» بكثرة المواليد أو خصوبة النساء، وليس بالفقر والبطالة، ما يعبّر عن وجهة نظر الاستعمار الجديد، وجشع الرأسمالية والسوق الحرة، وغياب التنمية الحقيقية الشاملة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية في هذه البلاد. وكذلك شاركت الهيئات الأميركية والدولية لتنظيم الأسرة مع منظمات الأممالمتحدة في هذه الدعاية المُغرضة لتوزيع حقن منع الحمل، التي دمرت صحة أجيال متعاقبة من ملايين النساء، والأجنة والمواليد، الذين أصيبوا بأمراض وعاهات خلقية بأثر من تناول الأم ال «ديبوبروفيرا». في آذار (مارس) 1985، نشرت مجلة «مالتي ناشونال مونيتور» (موقعها الالكتروني «مالتي ناشيونال مونيتور. أورغ» multinationalmonitor.org)، تقريراً عن حجم الأموال التى دفعتها شركة «آبجون» لوزراء الصحة والمسؤولين الكبار في حكومات مختلفة، يبيّن ان الشركة دفعت أكثر من أربعة ملايين دولار لمسؤولين في 29 دولة، بين عامي 1971 و 1976، إضافة إلى نصف مليون دولار، لمسؤولين غير حكوميين يعملون في مجال الصحة. وردت تلك المعلومات في مقالي المُشار إليه آنفاً في مجلة «المصوّر». وطلب مني الدكتور حلمي الحديدي، وزير الصحة حينها، أن أضع تحت يده كل ما عندي من وثائق وتقارير طبية وعلمية. تصورتُ بعد ذلك أن تحقيقاً سيجري على الفور، أو قراراً عاجلاً سيتخذ بإيقاف حقن النساء بالعقار الضار، إلا أن شيئاً لم يحدث. ثم تغيّر حلمي الحديدي بوزير آخر، فهل أصر على عمل تحقيق رفضته قوى كبرى دولياً ومحلياً؟ يمكن توجيه السؤال الى الوزير. لقاحات ضربت بشر أفريقيا في تشرين الأول (أكتوبر) 2002، كتبتُ مقالاً عنوانه «نشوء الفيروسات والحرب البيولوجية الخفيّة»، لم تتحمس أي صحيفة لنشره. وفي 2004، ظهر المقال في كتابي «كسر الحدود» الذي لخّصتُ فيه كتاب الدكتور ليونارد هوروفيتز Dr. Leonard Horowitz الصادر بالانكليزية عام 1996 عنوانه «الفيروسات الناشئة: إيدز وإيبولا - الطبيعة، الحوادث ام المؤسسات الدولية؟» Emerging Viruses: AIDS & Ebola- Nature, Accident or Internationals? . في ذلك الكتاب الأصل، أثبت هوروفيتز أن البنتاغون و «منظمة الصحة العالمية»، ووزارة الصحة في الولاياتالمتحدة، وشركات الأدوية، تعاونت جميعها في إجراء بحوث هدفها تخفيض المناعة عند الإنسان، كجزء من البحوث الخاصة بالحرب البيولوجية. أجريت تلك البحوث بذريعة حماية الجنود الأميركيين ضد حرب بيولوجية قد يتعرضون لها. والمعلوم أنه يكفي تخفيض المناعة في جسم الإنسان حتى تشتعل في جسده أوبئة ناتجة من الفيروسات والميكروبات الموجودة في شكل طبيعي في البيئة وجسد الإنسان. وأكّد هوروفيتز بالبراهين والأدلة العلمية الدقيقة أن فيروس الإيدز وصل إلى سكان القارة الأفريقية بسبب هذه البحوث، ومن طريق لقاحات وزّعتها بعض شركات الأدوية على الأفارقة لاختبارها. بقول آخر، جرى استخدام شعوب أفريقيا كخنازير وفئران تجارب تحت اسم «مشروعات التطعيم» للحماية من المرض! إذاً، فقد شاركت «منظمة الصحة العالمية» في قتل الملايين الأفارقة من طريق المشاركة في توزيع هذه اللقاحات، التي نشرت وباء «الإيدز» في أفريقيا، إضافة الى أوبئة أخرى مثل شلل الأطفال. وتحمست زوجات الملوك والرؤساء في بلادنا الأفريقية والعربية، ورئيسات جمعيات النساء والأمومة والطفولة، سواء عن علم أم عن جهل، لترويج هذه اللقاحات الخطيرة. من طريق التمويه الإعلامي والرشى للمسؤولين والمسؤولات، استطاعت هذه الشركات، وبما لها من قوة سياسية وعسكرية واقتصادية وإعلامية، أن تجهض أي حركة شعبية واعية لمنع هذه اللقاحات. وكذلك حوصرت جهود فردية لكثير من الأطباء، عِبر منع نشر مقالاتهم أو كتبهم، أو دفع حكوماتهم لمطاردتهم. في تشرين الأول 2002، بعد سبعة عشر عاماً من نشر مقالي عن خطورة حقن منع الحمل «ديبوبروفيرا»، التي توزعها شركة «آبجون» في مصر وبلاد أخرى، زرت قريتي «كفر طحلة» مركز بنها، محافظة القليوبية، ورأيتُ طوابير النساء الفلاحات واقفات أمام باب ما سمي «مركز صحة الأم والطفل»، يتنافسن على الفوز بحقنة «ديبوبروفيرا» في أجسادهن الضامرة التي طحنها الفقر والجهل والمرض، مع التعب والشقاء في الحقل والدار، إضافة إلى شتائم الزوج ولسعات عصاه كالنار، ليل نهار. بعضهن كن قريبات لي من عائلة جدتي الفلاحة، التي ثارت مع أهل القرية ضد الحماية البريطانية (كلمة الحماية تعني الاستعمار) والملك فاروق. وفي طفولتي، كنت أسمعها تغني مع الفلاحات: «يا عزيز... يا عزيز، كبة تاخد الانكليز». اليوم تغنى زينب ابنة عمتي والفلاحات: «يا عزيز، كبة تاخد الأميركان». وفي 22 نيسان (أبريل) 2010، بعد مرور عام من الدعاية المكثفة عن مخاطر أنفلونزا الخنازير قرأت في الصفحة الأولى لجريدة «الأهرام» مقالاً عنوانه: «انفلونزا الخنازير هلع أحدثه تواطؤ الصحة العالمية مع شركات الأدوية العالمية الكبرى»، يتحدث عن أرباح خيالية حققتها شركات الأدوية العملاقة من بيع اللقاحات المضادة لفيروس «أتش1 آن1»! يا ترى من يتولى التحقيق في هذه الجرائم نيابة عن شعوبنا المقهورة؟ * كاتبة مصرية