النجدة والإجارة، من مناقب وصفات الرجال، سادت لدى الرجال العرب قبل الإسلام وبعده، فعندما استنجدت امرأة بالمعتصم «وامعتصماه!»، أنجدها بتحريك الجيوش، ومن أهم جوانب الإجارة والنجدة، نجدة المستجير من ظلم ذوي القربى، فكان المُجير يقوم بشُمول إجارته حتى لو كان الجائر هو أخوه أو ابنه أو أيّ من أقاربه، وقد قال شاعرهم: وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً/على النفس من وقع الحسام المهند. وخصوصاً إذا أتى الضيم ممن نتوسم فيهم الخير، فإذا بهم انقلبوا إلى من يحتاجون لمن يوقفهم عند حدودهم، لأنهم من فرط اندفاعهم للقيام بمهامهم بدافع غيور خالص، نابع من غيرة شديدة عمياء، تعميهم عن الانضباط المطلوب في كل الأحوال! لدرجة أن تأتي تصرفاتهم بدل التوجيه والإرشاد بالحكمة والموعظة الحسنة، تأتي على صور غير متوقعة! تأتي تصرفاتهم بشكل مغاير، وعلى صورة تصيّد! أو إيقاع! فيجد الأبرياء أنفسهم في دائرة الشك والتشكيك، وسوء الظن، وما يتبع ذلك من إلحاق الأذى الجسدي والنفسي والاجتماعي، ثم بعد ثبوت براءتهم ونظافة ساحاتهم، يتم التعلل بأن ما جرى هو خطأ بشري! وأن كل البشر يخطئون، إلا أنهم بالأساس لا يُقِرُّون بإمكان وقوع الآخرين في أخطاء غير مقصودة. وكما هي الحال في كل المرافق الحكومية، وبلا استثناء، لا بد من إشراف رقابي محايد، إذ يستحيل أن يكون الإشراف الرقابي من المحيط نفسه، ولذلك أُنشِئت هيئة الرقابة والتحقيق، والمحاكم، والتمييز، والاستئناف، وجهات التفتيش العديدة، فالقاعدة الشرعية في التفتيش أن تكون محايدة، أي أن لا تمت بأي صلة للجهة التي تقوم بالتفتيش الرقابي عليها، حتى يصبح التفتيش فعّالاً. ومما ينبغي الحرص عليه أن أي تحرك للقبض على أي مواطن، من قِبَلِ أي جهة حكومية، لا بد من إحاطة الجهة الإشرافية المختصة بهذا التحرك في حينه فورياً، حتى يتم إعلام أهله وأقاربه بأمر القبض عليه، بدل تركهم يعيشون في قلق وخوف، مثل الجهات الأمنية الأخرى التي تحرص كل الحرص على إحاطة أولياء أمر المقبوض عليه بأمر القبض والظروف والملابسات، خصوصاً أن نظام توكيل المحامي الإلزامي لم يتم بعد، بل إن الدول التي سبقتنا تقوم بتوكيل محامٍ، على حساب الحكومة، في حال عدم تمكّن المقبوض عليه من إيجاد المحامي! ولا أنسى ما حييت، عندما ذهبت للاستفسار عن سبب احتجاز صبي محل عمي، الذي كلفني – نظراً إلى ظروفه العمرية - بالسؤال عن عامله، في الحجز، فما الذي حدث؟ لقد تم القبض عليَّ أنا، وأُدخلتُ الحجز، لم يعطوني تعليلاً، إلا بعد إلحاح بقولهم: أنت عمّه، وتجب مجازاتك! قلت لكني لا علاقة لي بتأخره عن قفل المحل، بسبب زبون أو تلفون؟ ولكن من دون جدوى، ووجدت نفسي محتجزاً، في غرفة علوية، يطل شباكها على أسطح دكاكين، ولأن عندي بالبيت ضيوفاً كباراً بالسن، ولا أحد سيقوم مكاني باستضافتهم، ولم أستطع التواصل معهم تلفونياً، لعدم سماحهم لي بالتلفون! فكرت بالقفز من الشباك، ولكني خفت، ولم يشفع لي بالخروج إلا مجيء مؤذن مسجدنا المجاور للدكان عندما علم بموضوع الضيوف والموقف المُحرج! فتشفَّع لي طالباً أن يُحتجز هو حتى ينصرف ضيوفي! وتمت كتابة تعهد ووصلت للضيوف قرب العصر! يعلم الله سبحانه أن تلك التصرفات لا يقبلها الله، وليست هي السياسة الرشيدة في التوجيه والإرشاد، فالتضييق غير المبرر آثاره فادحة، فقد جاء الإسلام سمحاً، لذا يجب أن نطبِّق سماحة الإسلام، ونُفْهِمَ من لا يفهم طبيعة سماحة الإسلام، كما يجب الابتعاد كل البعد عن اللجوء إلى الحلول المبتورة، مثل المنع لمجرد المنع كوسيلة سهلة لإراحة الدماغ، من دون تكبد عناء ومشقة إيجاد البديل. فالبحث عن البدائل المناسبة عملية ليست سهلة، وليس هناك أسهل من المنع لمجرد المنع. يعلم الله أنني أحبهم في قرارة نفسي كحبي لوالدي، يرحمه الله، الذي اعتقد أن التربية تعني الضرب بأية أداة، فكان أن رماني بدلّة القهوة، حتى شجت رأسي وسالت الدماء، لأنني لم أعد من المشوار في الوقت المناسب، وكنت مشغولاً بلعب كرة الشُّرَّاب، فتأخرت فكان ذلك العقاب، نعم أحبهم في الله لأن أهدافهم نبيلة، لكن خطأهم في طريقة التنفيذ! فقد اندفعوا بتأثير الحماسة الشديدة، مع علمهم أن كل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده! فكان لزاماً وضع آلية لكبح جماح الاندفاع لحمايتهم من أنفسهم بإشراف رقابي محايد، يكون بمثابة الوسيط بين المواطنين وأجهزة الحِسْبَة، تماماً كما فعلت الجهات الرسمية لحماية الأسرة من العنف الأسرى، ففي الأسرة الواحدة وبين أفراد الأسرة نفسها يحدث تعنيف، فما بالنا بجهات مندفعة بحماسة شديدة؟ نعم كلنا نحسن الظن بهم، ولكننا نخشى عليهم من أنفسهم، لأنهم بشر مثلنا معرضين للخطأ والصواب، والشيطان يترصد دوماً للصالحين، فيزيّن لهم القسوة والعنف كوسيلة للإصلاح، بينما هو الخطأ بعينه! فليس أحد معصوماً وما العصمة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي عصمه الله، وإخواننا هؤلاء هم بشر مثلنا، فلا بد من حمايتهم من أنفسهم ومن اندفاعهم، بجهاز إشرافي رقابي محايد، حتى لا يتكرر ما حدث للفتاة التي تم إنقاذها بواسطة المصلين في المسجد المجاور، والتي انتصر لها الأمير الكريم الذي قال: «لن تضيع استغاثتها»، ويجب انتقال جميع مراكز الحِسْبَة إلى جوار المساجد، ليسهل للمحتسبين أداء الصلاة جماعة بعد مهمة الدعوة للصلاة عند كل فرض، والتأكد من غلق المحال! كما أدعو إلى إلحاق مكتبة للقراءة بكل مسجد، ينهل منها رواد المسجد العلوم والثقافة قبل الصلاة وبعد الفراغ منها، وقد وجدت في كل مساجد المسلمين في البلدان الإسلامية مكتبات مناسبة ملحقة بالمساجد، إلى جانب أنشطة ثقافية ومناسبات أخرى يشرف عليها المُحْتَسِبُون، وبذلك يكونون أكثر قرباً من إخوتهم في الإسلام، وهذا لن يكون بديلاً عن المكتبات العامة الكبرى في المواقع الاستراتيجية في المدن وكورنيش المدن الساحلية، ومع الثقافة تستقيم سلوكيات الجميع، ويعرف كل إنسان ما له وما عليه، ولن يبقى من يجمع بين ست نسوة من دون دراية. [email protected]