خصت مجلة «بانيبال» الصادرة في لندن عددها الجديد بالأدب العراقي الجديد أو الراهن، وقدمت نماذج منه وقراءات في بعض أعماله. ولعل المقدمة التي كتبتها محررة المجلة الكاتبة البريطانية مارغريت أوبانك تلقي ضوءاً على هذا الأدب وعلى خصائصه. وهنا ترجمة للمقدمة قام بها عماد خشان: «يحتفي العدد الأول من «بانيبال» لعام 2010 بشعراء وكتاب من العراق. أكثر من نصف صفحات هذا العدد مخصصة للكتابات الشعرية والنثرية لواحد وعشرين كاتباً من أجيال مختلفة، بعضهم يحيا في مختلف أصقاع الأرض لكنّ معظمهم في داخل العراق، نحتفي في شكل خاص بجيل جديد من الكتاب والشعراء العراقيين الذين صارت لديهم الحرية لكتابة قصة العراق والتي نتشوق لسماعها على رغم قسوتها. في العدد أيضاً نظرة على روايات للكاتب اليمني علي محمد زيد والروائيين المصريين محمد البساطي وعزت القمحاوي، وكذلك مقطع من القصيدة الملحمية التاريخية للشاعر الجزائري الحبيب طنغور في ترجمة مارلين هاكر، وقصة قصيرة للكاتبة الهولندية رشيدة المرابط. وكما في كل عدد ليس في المجلة صفحات بالقدر الذي نرغب فيه لتقديم كل الكتاب الذين نود أن نقدمهم لقرائنا، في عدد واحد، ولذلك سيظل لدينا عدد من الكتاب اليمنيين والعراقيين الذين سنقدمهم في العدد المقبل. يبدأ ملف الأدب العراقي بقصة محزنة لحسين الموزاني عن بغداد «الجديدة» التي بالكاد يعرفها والتي أصبحت غابة من الاسمنت والفولاذ و «أرضاً خصبة لأشكال العنف المذهبي والفساد والقذارة». أما رواية لطفية الدليمي الجديدة «سيدات زحل» والتي ما من شك بأنها ستترجم الى لغات عدة، فان قارئها يتأمل شخصيات نسائها المعاصرة والباحثة عن مأمن بعد أن عانت بشدة من عنف الفئات الدينية المتطرفة. بينما يقدم لؤي حمزة عباس وضياء الجبيلي قصصاً قصيرة تحمل ومضات من الحياة اليومية في العراق، عن أولاد المدارس ومجلات العري الأجنبية، عن التعرف الى جثة صديق قديم منخورة بالرصاص، عن الوقوع في مكان انفجار في سوق الجمعة. ولا يستطيع القارئ الغربي الذي يحيا في مأمن بعيداً عن المتطرفين والألغام والحرب والدكتاتوريات والاستخبارات إلا أن يعجب بقوة شخصية أو صمود هؤلاء الكتاب والشعراء الذين لم يكن قرأ لهم من قبل كالروائيين ناظم العبيدي ونصيف فلك وهذا الأخير تقشعر الأبدان لقصة حياته الخاصة بما فيها من هروب واعتقالات على حدود بلدان مختلفة ومن ثم السجن في معتقل أبو غريب أيام حكم صدام حسين. وهناك جمالية مناخات الكاتبة ايناس البدران وأحمد سعداوي وشاكر نوري. أما الكاتب الراحل مهدي عيسى الصقر أحد رواد الرواية العراقية فهو يلتحق بالجيل «الجديد» من الكتاب العراقيين في هذا العدد عبر مقطع من روايته المترجمة للانكليزية «ريح غربية، ريح شرقية» وكان الصقر يكتب أعماله الروائية ويخفيها خوفاً من أن يصادرها النظام السابق. وفي العدد قصائد لأحد عشر شاعراً وهي في معظمها تعبير عن الحرية وحرية التعبير، على رغم أن عنوان إحدى قصائد باسم الأنصار هو «ليس لدي ما أقوله». يكتب هؤلاء الشعراء عن الحب والفقدان والذكريات وأيضاً عن الغضب والقلق وعن مشاعر عميقة ودفينة وعن الشعور بثقل هذا الإرث التاريخي الهائل الملقى على أكتاف الإنسان العراقي الحديث. «بانيبال» مدينة للمترجمين ولمحرري هذا الملف الذين من دونهم ما كان من الممكن أن نقدم للقراء هذه الثروة الأدبية والإبداعية، وهذه الآفاق الرحبة من التجربة الإنسانية التي يقدمها هؤلاء الكتاب والشعراء بما فيها من تفاصيل دقيقة تنم عن مخيلات وأساليب مختلفة وخلاقة.