يبحث الكاتب الجزائري بشير خليفي في مسألة تهم الباحثين والقراء على السواء، ألا وهي، خصوصية التناول الفلسفي لموضوع اللغة كإضافة تمدها فلسفة اللغة الى مختلف فروع المعرفة التي تتناول موضوع اللغة بالدرس والتحليل. من هذا المنطلق، حاول الكاتب معالجة موضوع اللغة من زاوية فلسفية، فوضع قراءته في كتاب عنونه ب «الفلسفة وقضايا اللغة: قراءة في التصور التحليلي» (صدر حديثاً عن الدار العربية للعلوم - ناشرون ومنشورات الاختلاف). يرى الكاتب أن علاقة الإنسان بوجوده لغوية، كما أن اللغة هي مدخل الوعي، والوعي بالوجود هو نشاط لغوي بالأساس، والوجود برمته عالم تملأه كائنات مفاهيمية. وركز الكاتب على دراسة واحد من أهم الفلاسفة التحليليين وهو «لودفيغ فتغنشتين» نظراً الى أهمية المنهج الذي اصطنعه في معالجة المشكلات الفلسفية التي أقر بأنها ناتجة عن سوء استخدام اللغة، والى التغيير الذي أحدثه في مفهوم الفلسفة ووظيفتها التي أصبحت تحليلاً للغة. يدرس الباحث موضوع اللغة عند «فتغنشتين» في مرحلتيه الأولى والثانية أي أثناء انفتاح على المعطى الاجتماعي واعتباره اللغة هي الوسيلة الوحيدة التي نتعرف من خلالها إلى الأشياء، كما أن العالم بنظر فتغنشتين سيبقى مغلقاً ملغزاً إن لم نعمد الى توضيحه بواسطة اللغة. ومع تغييره لمفهوم الفلسفة ووظيفتها، يرفض فتغنشتين تفسير الحياة والطبيعة بنظرة أحادية الجانب مبنية على أساس شمولي، بل يركز على التعددية كأساس للفلسفة عبر منهج التحليل للوصول الى الدقة والوضوح. فهو لم يجد أي مبرر لكثير من القضايا التي تناولتها الفلسفة عبر تاريخها، وفي ذلك يقول: «إن معظم القضايا والأسئلة التي كتبت عن أمور فلسفية ليست كاذبة بل هي خالية المعنى». أما المرحلة الثانية من تفكيره الفلسفي فوضعها فتغنشتين في كتابه «استقصاءات فلسفية» وفيه يؤكد «أن الفلسفة عبارة عن معركة ضد البلبلة التي تحدث في عقولنا نتيجة لاستخدام اللغة».