لا جديد في الأمر والتاريخ يعيد نفسه وما جرى سيتكرر مجدداً. بالأسلوب نفسه وتحت الذرائع نفسها. ستنزل في شهر أيار (مايو) المقبل الطامة الكبرى على بعض الذين لا يدركون الواقع وتصوروا أن المستقبل يحمل تغييراً إيجابياً فوجدوا أنفسهم يعيشون حاضرهم كما ماضيهم وكذلك سيعيشون مستقبلهم. يفترض أن ينتهي مع نهاية الشهر المقبل العمل بقانون حالة الطوارئ في مصر، لكن بكل تأكيد فإن الحكومة المصرية وحزبها الحاكم سيسعيان إلى تمديد العمل بالقانون سنوات أخرى، وهو ما بدأت قوى المعارضة تعترض عليه، كما اعترضت في كل مرة سابقة. لكن الحزب الحاكم وحكومته يريان ضرورات تفرض تمديد الطوارئ. وفي الأيام المقبلة سيسمع الناس تصريحات من نوع أن حالة الطوارئ غير مرغوب فيها لذاتها وأن الحكومة مضطرة إلى أن تطلب تمديدها على مضض، وأن الحزب ينتظر اليوم الذي تذهب فيه الطوارئ إلى غير رجعة، وهي التصريحات التي أُطلقت في كل مرة كانت الحكومة تطلب فيها مد العمل بالطوارئ. وعلى الأرجح فإن تمديد الطوارئ سيكون لثلاث سنوات أخرى مع وعود بوقف العمل بالقانون حين تنتهي لجنة شكلت لإعداد قانون لمكافحة الإرهاب من وضع بنود ذلك القانون وتقديمه إلى البرلمان لإقراره ليكون بديلاً عن قانون الطوارئ، علماً أن تلك اللجنة تعمل منذ سنوات ولم تنته من عملها! 29 عاماً عاشتها مصر في ظل قانون الطوارئ من دون أن تشكل أي لجنة لإعداد قانون بديل، علماً أن البرنامج الانتخابي للرئيس حسني مبارك الذي خاض على أساسه الانتخابات الرئاسية عام 2005 تضمن وعوداً بوقف العمل بقانون الطوارئ وإعداد مشروع قانون لمكافحة الإرهاب يحقق التوازن بين حريات المواطنين واستقرار المجتمع وأمنه وسلامته. يفهم البعض مسألة الاستقرار هنا على أنها تعني بقاء الحال على ما هو عليه حتى لو كان الحال لا يسر، وطالما أن هناك طعاماً وشراباً و «العيال» في المدارس والجامعات، فإن الحياة تسير. يعتقد هؤلاء أن على الكل أن يكيف أوضاعه وفقاً للحالة التي هو عليها سواء فرضت عليه أو اختارها بنفسه. وأن البعض قبل بأن يفرض على نفسه الطوارئ وأن يعيش حياة لا يقبلها أو قد يقبلها لأنها تحقق مصالحه ولا يرضى بها إلا هو لمجرد أن في ذلك استقراراً، ولا يتحدث هؤلاء عن الفوائد التي يسعون إلى تحقيقها، ولا يقولون أبداً إن مواقفهم تتجه فقط نحو مصالحهم. وفي المقابل يرى آخرون أن الحياة يجب أن تتطور وعليهم أن يبذلوا جهوداً لتحقيق حياة أفضل، وأن الاستقرار لا يعني الركود، وأن الحياة ليست طعاماً ولا شراباً قد يتحقق بالعمل والجد والاجتهاد أو بالفساد والكذب أو حتى السرقة، وأن قيمة الإنسان يحصل عليها بقدر عمله وجهده، وأن مكانته تقاس بالطريقة التي يختار بها مجتمعه المحيط به. عموماً، من المؤكد أن الظروف التي تعيشها مصر الآن والحراك السياسي في المجتمع تختلف عن تلك التي كانت تمر بها عند تمديد حالة الطوارئ في المرة السابقة، وأن المؤيدين للطوارئ أو المعارضين لها سيواجهون مواقف لم يمروا بها في تجاربهم السابقة، والعاقل من يحسن الاختيار والتصرف. أما المخطئ فإنه قد يكتشف أن اختياره كان «الطامة الكبرى»، ولكن بعد فوات الأوان.