لندن - رويترز - لا شك في أن السلام في الشرق الأوسط، إذا تحقق، يوجه ضربة قوية إلى تنظيم «القاعدة» بنزع مبرر مهم من مبرراته في العداء للغرب، غير أن زعماءه الذين يتمتعون بقدرة على التكيف سيحاولون اصلاح ذلك باستغلال نزاعات أخرى. هذا ما يقوله محللون غربيون في مجال مكافحة الارهاب، عارضين وجهة نظر جديدة عن دور النزاع الاسرائيلي - العربي في دفع المتشددين الى التطرف بعد تصريحات لزعماء غربيين ربطوا فيها بين هذ االصراع والتطرف. ويحتل الصراع موقعاً مهماً في قائمة تنظيم «القاعدة»، ومنها المصادمات المباشرة بين المسلمين واليهود، فضلاً عن الاهمية الدينية للأماكن المقدسة في مدينة القدس وانحياز الولاياتالمتحدة إلى اسرائيل. وتلائم هذه العناصر رسالة تنظيم «القاعدة» البسيطة والشعبوية بأن الاسلام يتعرض لهجوم من الغرب العدواني الذي يحتل أراضي المسلمين ويدنس أقدس مقدساتهم. وتنامى قلق الغرب من التطرف بعد مقتل 13 شخصاً في قاعدة عسكرية اميركية في تكساس في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) ومحاولة فاشلة لتفجير طائرة أميركية في 25 كانون الاول (ديسمبر) وتفجير انتحاري في افغانستان في 30 من الشهر ذاته أسفر عن مقتل سبعة من عملاء وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية (سي.اي.اي) وسلسلة من الاعتقالات لمتشددين مشتبه بهم في الولاياتالمتحدة عام 2009. يرى محللون ان الوصول الى حل لمشكلة الشرق الاوسط، على صعوبته، يساعد في تجفيف منابع المتشددين المحتملين. وقال توماس هيجهامر المتخصص من جامعتي برينستون وهارفارد ومؤسسة أبحاث الدفاع النروجية: «لا يهم ما يعتقده اسامة بن لادن في شأن فلسطين او ما اذا كان تنظيم القاعدة سيتوقف عن القتال. المهم هو الدور الذي تلعبه القضية الفلسطينية في تعبئة مجندين جدد وفي تكوين مجموعة من المتعاطفين الذين يغضون الطرف حين يجمع الجهاديون الاموال ويحيكون المؤامرات». وأضاف «بالفعل كل من درس عن كثب التجنيد للجهاد سيقول ان فلسطين مهمة على هذا الصعيد. من الواضح أنها ليست العامل او المصدر الوحيد للتظلم لكنها اكثر قضية يستحضرها المجندون». في مدينة بولتون، في إنكلترا، اتفق يوسف تاي مع هذا الرأي. ويرى أن النزاع في الشرق الاوسط يفوق الصراع في كشمير. وقال: «القضية الاسرائيلية الفلسطينية هي اكبر قضية لتعبئة المجتمع. انها تعبئ الناس في شكل لا تضاهيه اي قضية أخرى». وأضاف «اذا تم حل قضية فلسطين سيظل لدى تنظيم القاعدة حكايات يرددها لكنها ستقنع جمهوراً أقل». ورأى البعض ان وجهة النظر هذه مثيرة للجدل. وتنفي اسرائيل اي ارتباط بين صراعها مع الفلسطينيين والتشدد الاسلامي العنيف. وقال وزير خارجيتها افيغدور ليبرمان ان «الصراع في الشرق الاوسط ليس اقليمياً انه صراع مبادئ بين الاسلام المتطرف والغرب المستنير». ويقر محللون بأن الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني ليس المحرك الرئيسي او حتى المباشر وراء الهجمات التي تشن على مستوى العالم. في السنوات الثلاثين الماضية شملت المظالم أفغانستان والشيشان وكشمير والعراق والبوسنة والفيليبين ووجود القوات الاميركية في شبه الجزيرة العربية. ولم يجعل المتشددون المتعددو الجنسية من اسرائيل أولوية ضمن أهدافهم. فالقائمة هزيلة لا تتجاوز هجمات على أهداف يهودية في كينيا عام 2002 وتونس عام 2002 والهند عام 2008 فضلاً عن تفجير انتحاري نفذه بريطاني من اصل باكستاني في تل ابيب عام 2003. علاوة على ذلك، نادراً ما يبدأ التطرف بصلته بالجغرافيا السياسية. ويبدو أن لحظاته الاولى تحركها أواصر القرابة والصداقة وسيكولوجية القوى المحركة للتفكير الجمعي. ويقول الخبراء ان الخطر يكمن في أن الصراعات التي لم تحل مثل الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني توفر نسيجاً يربط القاعدة بالجماعات المتشددة المتباينة ويجعل المسلمين الذين لا يتبنون ايديولوجية معينة يتسامحون مع هذا التنظيم. وبدأ مسؤولون غربيون يلاحظون هذا. وقال الرئيس الاميركي باراك أوباما في 13 نيسان (إبريل) انه يعتبر الوصول الى اتفاق للسلام في الشرق الاوسط «من مصلحة الامن القومي الحيوية»، فيما تكافح الولاياتالمتحدة الاسلاميين المتشددين في الخارج. وأكد الجنرال الاميركي ديفيد بترايوس في جلسة استماع في مجلس الشيوخ الاميركي في 16 آذار (مارس) ان تنظيم «القاعدة» استغل الغضب العربي في شأن فلسطين «لحشد الدعم». وقال وزير الامن البريطاني اللورد وست أمام البرلمان في 22 شباط (فبراير) ان السلام في الشرق الاوسط «سيحدث فرقاً ضخماً في مسألة التطرف وسيغيرها في شكل جذري». ويعتقد جاك بيتلو المنسق السابق للمخابرات السويسرية بأن الصراع «وما يعتبر كيلاً بمكيالين في السياسة الخارجية الغربية» عاملان مهمان يمكنان «الجهاديين» من تجنيد عناصر في صفوفهم. وأضاف «هذا لا يعني أننا في حاجة الى أن نفعل اشياء تفيد القاعدة. لكن اذا حلت القضية سلمياً فانها ستقطع شوطاً طويلاً في معالجة مشكلة التشدد». وقال رونالد نيومان، السفير الاميركي السابق لدى أفغانستان، ان فكرة الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني «تستغل بلا نهاية وقضية الظلم تأخذ أشكالاً مختلفة بسلاسة في أفغانستان والعراق. لا شك أن هذا يضرنا». ورأى مات ستاينبرغ، المسؤول المخضرم في جهاز الإستخبارات الاسرائيلي (موساد) وجهاز الامن الداخلي (شين بيت) أن الصراع يمثل أولوية قصوى لتنظيم «القاعدة» من وجهة نظر دينية، لكنه أضاف أن التنظيم لا يحتاج إليه كمبرر لشن هجوم على المصالح الامييركية على مستوى العالم. وقال: «ربما يقال ان الحل سيشجع القاعدة على تصعيد الهجمات. القاعدة ترى الحل تهديداً وعدم الحل فرصة». وفيما يشهد التحالف الإسرائيلي الأميركي خلافات حول السلام وبناء المستوطنات اليهودية على الأرض الفلسطينيةالمحتلة، يغضب بعض المسؤولين الاسرائيليين من تصريحات كتلك التي أدلى بها بترايوس التي تربط بين الصراع الفلسطيني والمشاكل التي تعاني منها واشنطن. وقال مصدر سياسي اسرائيلي مطلع على خطط الحكومة ان «بعض الجنرالات الاميركيين يبحثون عن أعذار لاخفاقاتهم في العراق وأفغانستان من خلال القاء اللوم علينا».