في قرار مفاجئ، قرر النائب العام في مصر المستشار عبدالمجيد محمود أمس إحالة الشيخ السعودي عائض القرني والداعية المصري الشيخ وجدي غنيم إضافة إلى 3 من قادة جماعة «الإخوان المسلمين» على محكمة أمن الدولة العليا (طوارئ) لبدء محاكمتهم بتهمة تبييض الأموال بغرض تمويل جماعة أُسست على خلاف القانون، وهي القضية التي ظلت نيابة أمن الدولة تحقق فيها منذ الإعلان عنها في حزيران (يونيو) الماضي وعرفت إعلامياً ب «التنظيم الدولي لجماعة الإخوان». لكن الشيخ القرني اوضح ل«الحياة» في الرياض انه ليس المقصود في هذه القضية وان هناك لبساً في الاسماء بينه وبين شخص اخر (عوض وليس عائض). وربطت الجماعة بين قرار الإحالة والانفتاح الذي تشهده علاقتها بأحزاب المعارضة المصرية والذي رأت جماعة «الإخوان» أنه «يثير رعب الحزب (الوطني) الحاكم». واعتبرت أن القرار رسالة «تخويف وتحذير من قبل النظام الحاكم لا تتعلق بأشخاص وإنما يكمن فحواها في النشاط العام للجماعة خلال الفترة الأخيرة خصوصاً مع اقتراب موعد استحقاقين برلمانيين»، في إشارة الى انتخابات مجلسي الشورى والشعب هذا العام. ونسبت النيابة إلى المتهمين الانتماء إلى جماعة محظورة أسست على خلاف أحكام القانون الغرض منها الدعوة لتعطيل أحكام الدستور والقانون وتبييض الأموال بغرض استخدام تلك الأموال في نشاط يخل بالأمن العام في البلاد. وقالت مصادر قضائية ل «الحياة» إن من المنتظر أن يرسل النائب العام المصري خلال الساعات القليلة المقبلة إلى محكمة استئناف القاهرة قرار إحالة المتهمين الخمسة وهم الشيخ السعودي القرني والداعية المصري وجدي عبدالحميد غنيم (يتنقل خارج البلاد من سنوات عدة) والمتحدث باسم التنظيم الدولي للإخوان إبراهيم منير مصطفى (موجود في لندن) والأمين العام المساعد لنقابة الأطباء المصريين الدكتور أشرف عبدالغفار (موجود في تركيا) ورئيس مجلس إدارة شركة الصباح للصرافة الدكتور أسامة محمد سليمان (الوحيد قيد الاعتقال)، تمهيداً لتحديد الدائرة وموعد محاكمة المتهمين. وأشارت المصادر إلى أن المتهمين الأربعة الهاربين سيتم استصدار قرارات انتظار وتوقيف حيالهم وتوزيعها على المطارات المصرية. ويفتح قرار إحالة المتهمين الخمسة مجدداً ملف قضية «التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين» والتي اتهم فيها 32 من قادتها يتقدمهم رئيس اتحاد الأطباء العرب القيادي «الإخواني» البارز الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح قبل أن تطلق السلطات سراح 31 منهم على دفعات في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. لكن الدكتور أسامة نصر ظل قيد الاعتقال على رغم قرارات عدة أصدرتها محاكم مصرية أمرت فيها بالإفراج عنه. ونسبت النيابة إلى المتهمين «إمداد جماعة أُسست على خلاف أحكام القانون الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطة العامة من ممارسة أعمالها، بأموال مع علمهم بأغراضها». وأوضحت النيابة أن المتهمين الأربعة «الهاربين» أمدوا جماعة الإخوان المسلمين بمبلغ 4 ملايين جنيه استرليني لتمويل أنشطتها التنظيمية في مصر. ونسبت النيابة إلى المتهمين إبراهيم منير وأسامة سليمان انهما ارتكبا جريمة تبييض أموال قيمتها مليونان و800 ألف يورو متحصلة من «جريمة إمداد جماعة غير مشروعة بأموال» موضوع التهمة السابقة، بأن أرسل منير هذه الأموال من طريق تحويلات عدة من الخارج لحساب سليمان في أحد المصارف، حيث حوّل كل منها لحسابه في أحد البنوك، ثم صرفها بموجب شيكين تم تحريرهما لمصلحة سليمان وتم استبدالها بعملة الدولار الأميركي. وأشارت النيابة إلى أن سليمان استبدل جزءاً آخر منها بعملة الدولار الأميركي أيضاً، حيث أودع بعضها في حسابه بأحد البنوك وحوّل الجزء الآخر لحسابه ببنك آخر واستبدله مرة أخرى بعملة اليورو، وكان القصد من ذلك إخفاء حقيقة هذه الأموال وتمويه مصدرها وطبيعتها وعرقلة التوصل إلى مرتكب الجريمة المتحصل منها الأموال. من جهته، أكد ل «الحياة» عضو مكتب إرشاد الإخوان الدكتور عصام العريان أن المتهمين الخمسة ليس لهم نشاط تنظيمي داخل جماعة الإخوان المسلمين، معتبراً أن قرار الإحالة رسالة تخويف إلى جماعته مفادها أن الانفتاح على الأحزاب والنشاط الإخواني الداخلي محظور. وقال محامي «الإخوان» عبدالمنعم عبدالمقصود: «ننتظر تفاصيل القرار وموعد بدء المحاكمة لندرس بعدها ما سنتخذه من إجراءات قانونية». وأكد ل «الحياة» أن إعادة ملف قضية التنظيم الدولي اليوم بعدما مضى عليها نحو 5 أشهر يُعد «إفلاساً سياسياً ودليلاً على فشل للحكومة»، مشيراً إلى أن القضاء المصري برّأ أعضاء جماعته من تهم تبييض الأموال. وتعود وقائع القضية إلى صيف العام الماضي حين أعلنت مباحث أمن الدولة أن الدكتور أسامة سليمان يقوم بنشاط تنظيمي يتمثل في تلقي الأموال التي تحوّل لمصلحة الجماعة من الخارج على حساباته في كثير من البنوك العاملة في مصر تحت زعم إقامة مشاريع استثمارية أجنبية بالبلاد، على أن يقوم بسحبها في أعقاب ذلك وضخها في المشاريع الاقتصادية الخاصة بالجماعة والحصول على الأرباح الناشئة عنها لتمويل أنشطة الجماعة. وأوضحت أوراق القضية أنه بتاريخ 4 حزيران 2009 ورد إلى مباحث أمن الدولة إخطار من وحدة مكافحة غسل الأموال تضمن الاشتباه في عدة تحويلات مالية وردت على حساب المتهم الخامس بأحد البنوك العاملة بالبلاد من دولة لبنان في شهر حزيران 2009 بقيمة مليونين و 700 ألف يورو. ودلت التحريات على أن المتهم الخامس تم تكليفه من قيادات الجماعة بتلقي هذه الأموال على حساباته بالبنوك المصرية على أن يتم سحبها بعد ذلك وضخها في المشاريع الاقتصادية الخاصة للجماعة، كما دلت تحريات مباحث أمن الدولة على أن تلك الأموال تم تجميعها لمصلحة الجماعة من خلال جمع التبرعات خارج البلاد نظمها المتهمون الهاربون على هامش مؤتمرات وندوات عقدت في العاصمة البريطانية لندن تحت ستار إقامة مشاريع خيرية في الدول الإسلامية، منها حملة لجمع التبرعات من خلال المؤسسات التي تتخذها الجماعة كغطاء لتحركها في لندن، وهي دار الرعاية التابعة لجمعية الدعوة الإسلامية في إنكلترا، حيث تم جمع تبرعات بلغت حصيلتها أكثر من مليوني جنيه إسترليني. وذكرت التحقيقات أنه سعياً من المتهم إبراهيم منير لإدخال تلك الأموال للجماعة داخل البلاد تمكن من إقناع أحد المستثمرين العرب بمشاركته تحت زعم إقامة مشاريع استثمارية في مصر وسلّمه هذه الأموال على أساس انها حصته في تلك الشراكة، وطلب منه تحويلها لحساب المتهم الخامس في أحد البنوك العاملة في مصر تحت زعم البدء في تنفيذ هذه المشاريع على أن يرسل المستثمر العربي حصته في تلك الشركة في ما بعد، وتنفيذاً لذلك قام هذا المستثمر الذي لا تربطه بالخامس تعاملات مالية أو تجارية بتحويل هذه الأموال لحساب المتهم الخامس بأحد البنوك داخل مصر. وأشارت التحقيقات إلى أنه تم تشكيل لجنة ثلاثية من البنك المركزي المصري لفحص حسابات المتهم الخامس في كل البنوك العاملة في مصر وانتهت تلك اللجنة من الفحص إلى وجود جريمة غسل أموال، إذ أن تلقي المتهم أسامة سليمان لهذه التحويلات لا يتناسب وطبيعة عمله ونشاطه ويفوق حجم تعاملاته السابقة على حساباته منذ بدء تعامله مع هذا البنك بالإضافة إلى قيامه خلال فترة زمنية قصيرة مدتها 16 يوماً فقط بالكثير من التصرفات المتتالية على تلك الأموال وأن الغرض من هذه التصرفات كان تمويه وإخفاء طبيعة ومصدر هذه الأموال. كما ورد للنيابة إخطار من وحدة غسل الأموال تضمن تلقي الوحدة إخطاراً من أحد البنوك العاملة في مصر يفيد الاشتباه في 3 تحويلات وردت من الخارج لحساب المتهم الخامس بمبلغ 2 مليون و 700 ألف يورو خلال الفترة من 28 أيار (مايو) وحتى 3 حزيران 2009 وأن مصدر أموال التحويلات محل الاشتباه هو شراء قطعة أرض في الساحل الشمالي. وباشرت التحقيق في هذه القضية نيابة أمن الدولة العليا التي أمرت بضبط وإحضار المتهمين الأربعة الهاربين.