لم يستطع المذيع السوداني المخضرم عمر الجزلي في السهرة التي بثتها الفضائية السودانية اخيراً وحاور فيها مجموعة من الإعلاميين العرب الذين حلّوا ضيوفاً على الخرطوم لتغطية الانتخابات، ان يحافظ على دوره كمحاور يطرح الأسئلة على ضيوفه بما يكسب السهرة حيويتها. فهو، ومنذ البداية، لم يحتمل وجهة النظر «السلبية» التي أبدتها مذيعة قناة «الجزيرة» لينا زهر الدين في اجابتها على سؤال حول انطباعها عن الزيارة، اذ اخذت على الإعلام السوداني، خصوصاً فضائيته التي بدت لها بلا «استراتيجية»، عجزه عن مقابلة ما تبثه الفضائيات «الغربية» من صور «كارثية» عن البلاد، تجعل كل من يفكر في زيارتها يتردد الف مرة قبل ان يتخذ قراره الأخير! لم يتمالك الجزلي نفسه، وانتفض مقاطعاً، مالئاً بكلامه معظم الزمن المخصص للضيوف وكانوا ستة وهو يدافع، بتأثر شديد طبع وجهه وكلماته، عن الفضائية «الوطنية» ودورها في عكس الثراء البيئي والإثني والثقافي للسودان. وأخذ على الإعلاميين العرب (وكالة الأنباء الأردنية، وقناة «العالم»، و «الجزيرة») ضعف صلتهم بما تبثه تلك القناة الوطنية من مواد «جميلة»، وزاد من الشعر مضيفاً: «المواطن السوداني يعرف كل شيء عن الفضائيات العربية ويشاهدها بحرص ويعرف ام كلثوم وفيروز ونجوم المسلسلات العربية،إلخ»، منهياً عبارته بسؤال مفعم بالحرقة: «فلماذا لا يشاهد العرب الفضائية السودانية؟». وهكذا فقد المذيع موقعه، وأفقد السهرة، السهلة الإعداد، وقعها. وكما يمكن القارئ ان يقدر، سرعان ما اكتشف الضيوف، والجزلي يستهل السهرة بهذا الحس المتحفز «ضدهم» وضد خياراتهم في المشاهدة، ان الأسلم بالنسبة اليهم ان يتحدثوا عن أجمل وأحلى ما صادفهم في بلاد النيلين وليتركوا السياسة... لساستها. وبهذا تكون السهرة أخفّ والطف! لا نعرف إن كان الجزلي حصل أو لم يحصل إجابة على سؤاله أو اسئلته بعد إعادة السهرة، لكننا نرى ان السهرة ذاتها ومن حيث محاورها وطريقة إعدادها وإخراجها تتبرع وحدها بمقدار كبير من الإجابات. فهي، مثلها مثل عدد من البرامج في الفضائية السودانية، ينقصها الكثير مما تتوافر عليه برامج الفضائيات العربية «الرائجة» من ضبط فني وإعدادي... ما يعني دون زيادة على ما سبق، ان حال الفضائية السودانية هي حال كل الفضائيات العربية الرسمية. فهي ايضاً تعاني من ضعف المشاهدة حتى في بلدانها بعدما عجزت عن مجاراة أو منافسة القنوات الخاصة التى انفتح الفضاء على عدد كبير منها في السنوات الأخيرة. فالمعادلة هنا قائمة على نوعية البرامج المقدمة وما يظهر فيها من جهد مبدع وخلاق وجريء، وليس على مسحتها «الوطنية»! بل حتى هذه المسحة «الوطنية» أتت عليها القنوات الخاصة فهي اختارت من الوجوه الإذاعية والضيوف والموضوعات ما جعل شاشتها «وطنية» أكثر من الرسميين!