لم يدرك الشاب عبد الرحمن سعيد، الذي تزوج أخيراً، أن تتحول لياليه «الملاح»، إلى «كابوس مزعج»، بعد أن وعد زوجته، أن يقضيا أسبوعاً من ليالي شهر العسل الجميلة في ربوع المنطقة الشرقية أثناء إجازة الربيع في ظل ظروف مادية عانى منها بعد إنهاء مراسم زواجه في مدينة الرياض. وقام عبد الرحمن، بحجز غرفة «ديلوكس»، في إحدى الشقق السكنية «الفاخرة» في الخبر. إلا أن الحجز لم يدم طويلاً، بعد أن قام صاحب الشقق بتأجيرها إلى شخص آخر، دفع مبلغًا إضافيًا. على رغم أن عبد الرحمن أكد الحجز مُسبقاً لدى موظف الفندق، ما أوقعه في «حرج شديد» مع عروسه، فيما أغلقت الشقق السكنية والسياحية والفنادق أبوابها في وجوه السياح، ولم يتبق من خيار أمامهما سوى شقق العزاب، التي تركها أصحابها أثناء عودتهم إلى مناطقهم، والتي لا ترتقي إلى مستوى السكن العائلي. ولم يتخلص عبد الرحمن من هذا الموقف، إلا «بحب خشوم»، بعد أن توسط له أحد أقربائه، الذي استطاع أن يقنع أحد أصحابه بتأجير شاليهه لمدة ليلتين فقط. وبسعر مضاعف، وعليه البحث عن مأوى آخر في حال رغبته إكمال «الأسبوع السياحي» في الشرقية، أو العودة مجدداً إلى الرياض. ولعل حال العريس عبد الرحمن يشبه حال الكثير من السياح، من خارج الشرقية، الذين تدفقوا على المنطقة لقضاء إجازة الربيع. إلا أن الظروف السكنية ونسبة إشغال الشقق والفنادق، ساهمت في شكل كبير في رفع قيمة أسعار خدمات الإيواء، فضلاً عن عدم وجود مساكن شاغرة بعد امتلائها من السياح، ما دفعهم إلى قضاء أيام أقل في المنطقة، وقضاء بقيتها في البحرين. وعلى رغم أن قطاع الإيواء السكني الذي يشمل الفنادق والشقق المفروشة في الشرقية، حقق نمواً متزايداً، وصل إلى 56 فندقاً متعدد الدرجات، إضافة إلى 600 مبنى للشقق المفروشة، تضم 13182 شقة، إلا أن الإقبال المتزايد على المنطقة خلال إجازة الربيع، ساهم في إشغالها مبكراً. وحقق قطاع الإيواء السياحي نمواً ملحوظاً، خلال السنوات الماضية، إثر تزايد الاستثمار فيه، إذ تنامى عدد الغرف الفندقية من 5267، عام 2004، إلى 7918 في العام 2008، وزاد عدد الوحدات السكنية من 318 في العام 2004، إلى 600 وحدة في العام 2008. إلا أن الحاجة إلى زيادة نسبة الإيواء أصبحت مطلباً أساسياً، لاستيعاب تدفق الزوار المتزايد على المنطقة. ويسعى جهاز السياحة والآثار في الشرقية، إلى «كبح جماح» أصحاب الفنادق والشقق المفروشة، من خلال مراقبة الأسعار والخدمات المقدمة للنزلاء. وهو ما أكده المدير التنفيذي للجهاز المهندس عبد اللطيف البنيان، الذي قال: «تم تشكيل فرق للكشف على الفنادق والشقق المفروشة، لمراقبة الأسعار والخدمات»، مضيفاً أن «الفرق لا يقتصر عملها على ضبط المخالفات، وإنما تهدف إلى نشر ثقافة الالتزام في الأنظمة، وترسيخها كوجه حضاري تعيشه المملكة»، مبيناً أن هذه الفرق «ستركز على مدى تطابق الأسعار المعمول بها في منشآت الإيواء، مع ما هو مُعلن في أماكن استقبال تلك المنشآت». وتشهد الشرقية خلال إجازة الربيع إقبالاً متزايداً، فيما تتميز المنطقة حالياً بأجوائها الربيعية، خصوصاً في الفترات المسائية. وتُعد الشرقية خياراً سياحياً لكثير من المتنزهين، لمناسبتها للأجواء العائلية تحديداً، إذ تبقى من المناطق الأكثر هدوءاً واستجماماً في المملكة. فيما لا تزال السياحة في المنطقة تنحصر في المناطق الصحراوية والبحرية، إضافة إلى الأسواق والمنتزهات ومدن الألعاب المختلفة. على رغم المحاولات «الخجولة» لتفعيل الجوانب السياحية في الإجازات من خلال المهرجانات المخصصة للأطفال في معظم الأحيان. وعلى رغم ذلك، تُعد الشرقية من أهم الوجهات السياحية في المملكة، إذ شكلت الرحلات السياحية المحلية إلى المنطقة 13 في المئة من إجمالي الرحلات في المملكة. واحتلت المركز الثاني بعد مكةالمكرمة. وتتميز المنطقة بأنها الوجهة الأساسية على الخليج العربي للعطلات العائلية، التي تجمع بين الاسترخاء والأنشطة المنوعة، والاستمتاع في المزايا التراثية والبيئية للمنطقة، والرحلات البرية والبحرية، ضمن إطار القيم الدينية والتقاليد الاجتماعية. وبلغ عدد الرحلات السياحية المحلية والوافدة للمنطقة في العام 2008، بموجب إحصاءات مركز المعلومات والأبحاث السياحية (ماس) 6.4 مليون رحلة، بما يشكل نسبة 13 في المئة من مجموع عدد الرحلات السياحية المحلية في المملكة. وحول بعض السياح الشرقية إلى مكان للنوم فقط، فيما يقضون النهار في متابعة الفعاليات السياحية في البحرين. إذ يتحمل بعض السياح قضاء ساعات طويلة في طوابير الانتظار، قبل الوصول إلى منطقة الجمارك في جسر الملك فهد، من أجل الاستمتاع بالبرامج السياحية في البحرين، مثل السينما والمجمعات التجارية المختلفة والمدن المائية. وتشهد المنطقة محاولات حثيثة لتفعيل جوانبها السياحية «الصامتة والمهملة»، من خلال دور الهيئة العامة للسياحة والآثار، التي تعكف حالياً، على تنشيط الاستثمار السياحي في المدن التاريخية، وتطوير الأسواق الشعبية، وتهيئة مواقع مراكز الخدمة على الطرق الإقليمية، وتشغيل المواقع السياحية والاستراحات الريفية والنزل البيئية، وتطوير المنتجات ومنظمي الرحلات. وتبرز أهم المشاريع التي يقوم بها جهاز السياحة والآثار في الشرقية، في تسويق الحرف اليدوية الشعبية، وفعاليات سياحة الرياضة والمغامرات، وتطوير سياحة الأعمال ومراكز خدمات الاستثمار السياحي، والنماذج الاستثمارية للمشروعات السياحية، وحوافز استثمارية لتطوير الوجهات للمستثمرين من القطاع الخاص.