ما أن أطلق الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز تصريحه عن نقل سورية صواريخ «سكود» إلى «حزب الله»، وأعرب الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيتس عن قلق الولاياتالمتحدة من خطورة هذا الحدث، حتى بدأت التحذيرات من حرب شاملة في الشرق الأوسط تؤدي إلى تدمير لبنان، كل لبنان، لأن هذه الصواريخ تخل بالميزان العسكري لمصلحة مسلحي المقاومة. لكن أحداً، عدا قلة من الخبراء، لم يدقق في مدى صدقية بيريز أو نفاقه. الواقع أن صواريخ «سكود» العتيقة لا تتناسب والحروب التي خاضها «حزب الله»، أو تخوضها أي مقاومة، لأسباب كثيرة، على ما يقول هؤلاء الخبراء، أهمها أنها ضخمة لا يمكن تمويهها، في حين أن الحزب اعتمد في حرب تموز (يوليو) 2006 على مباغتة الجيش بأسلحته الصاروخية المخبأة جيداً في الكهوف والمغاور وتحت الأرض. وتحتاج صواريخ «سكود» إلى منصات ضخمة متحركة لإطلاقها، أي أن باستطاعة الجيش الإسرائيلي اصطيادها بسهولة، مثلما اصطادتها القوات الأميركية خلال حربي العراق، ولم يكن لها فاعلية تذكر حين أطلقت على إسرائيل. فضلاً عن ذلك فالزعم أنها تخل بميزان التسلح فيه من المبالغة ما لا يصدقه سوى مروجي الإشاعات الإسرائيلية. كيف لهذه الصواريخ أن تعادل الترسانة النووية الإسرائيلية؟ كيف لها أن توازي ما يملكه الجيش الثالث في العالم من أسلحة؟ ثم أي دولة مستعدة لتعويض الحزب ما يخسره، مثلما الولاياتالمتحدة مستعدة لنجدة الجيش الإسرائيلي؟ ما أن يشن هذا الجيش حرباً حتى تمتد الجسور الجوية من مخازن القوات الأميركية المنتشرة في أنحاء العالم لتعويضه ما يخسره ولتجريب أسلحة جديدة لإبادة «الهنود الحمر» الذين هم نحن. ولا ننسى بالطبع الأقمار الاصطناعية والمعلومات الاستخبارية الموضوعة تحت تصرفه، ولا المناورات السياسية والضغوط على الدول والمجتمع الدولي لإدانة «العدوان» الذي تتعرض له الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. أما المحرقة فرايتها مرفوعة دائماً في وجه من يجرؤ على النقد. لم يتوقف كثيرون عند هذه الأسئلة. ولم ينظروا إلى الأجواء السياسية الإسرائيلية المحيطة بهذا النفاق. منها مثلاً توتر العلاقة بين تل أبيب وواشنطن. واستعداد إدارة أوباما لإطلاق مفاوضات جديدة، كشفتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي، وفيها أن البيت الأبيض جمع عدداً من مستشاري الأمن القومي السابقين، بينهم من تتهمهم إسرائيل بمعاداتها، مثل زبيغنيو بريجنسكي، وطلبت إليهم وضع تصور لمبادرة سلام تتبناها الإدارة لتفرضها على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. ومنها أيضاً أن أوروبا بدأت تعيد النظر في تأييدها الأعمى لتل أبيب. ولا ننسى أيضاً ان الملف النووي الإيراني ما زال في مقدم أولويات البيت الأبيض وخلافه مع نتانياهو حول أسلوب معالجته لا يخفى على أحد. والأهم من ذلك أن واشنطن تقدمت خطوات كثيرة بالإنفتاح على سورية، وأصبحت تنظر إليها لاعباً أساسياً في الشرق الأوسط. كل هذه المعطيات تجعل إسرائيل أمام خيارين: شن حرب جديدة ووضع الولاياتالمتحدة أمام الأمر الواقع، أو الرضوخ لسياسة واشنطن في الشرق الأوسط. والخياران لا يناسبان حكومة نتانياهو التي يتحكم بها اليمين المتطرف، لذا تعمد بين الفترة والأخرى إلى إثارة قضايا حجم النفاق فيها بحجم صاروخ «سكود» الكثير الضوضاء القليل الفاعلية.