تمتد الكثبان الرملية على مساحات واسعة في الأمازون في كولومبيا، لكن أحداً لا يقصد هذا «الشاطئ» للتنعم بأشعة الشمس، بل إن هذا الموقع مورد للمجموعات المسلحة ومصدر للتلوث في منطقة عادة ما توصف بأنها رئة العالم. على بعد 115 كيلومتراً من هذا «الشاطئ» النائي الواقع في الشرق الكولومبي، قرب قرية كامبو اليغري، وضعت مضخة لجمع الرمل الممزوج بالذهب، لكن هذه المنصة العائمة التي كانت ترتفع في أحد روافد نهر إينيريدا دمرت في عملية مشتركة للجيشين البرازيلي والكولومبي للتصدي للنشاطات المنجمية غير الشرعية. تستفيد الأعمال غير المشروعة في هذه المنطقة الكولومبية الواقعة بين فنزويلاوالبرازيل، من ضعف الكثافة السكانية التي لا تتجاوز شخصين في الكيلومتر المربع، وغياب سلطة الدولة، وهي تثير شهية الراغبين في البحث عن الثروات المعدنية، علماً أن النشاط المنجمي محظور فيها منذ عام 2012، لكونها منطقة محمية. ومن أكبر الآثار السيئة التي تسببها هذه النشاطات المنجمية غير المشروعة القضاء على المساحات الحرجية. ففي عام 2014 وحده، قطعت مساحات من الغابات تقدر ب 140 ألف هكتار في كولومبيا، نصفها في غابة الأمازون. أما مجموع الأضرار، فمن الصعب تقديره. تحمل السلطات الكولومبية متمردي «القوات المسلحة الثورية الكولومبية» (فارك) المسؤولية عن هذه النشاطات، علماً أن الطرفين يخوضان محادثات سلام بعد عقود من النزاع الدامي. إلا أن السلطات القضائية تشير إلى مسؤولية «كل المجموعات المسلحة غير الشرعية» في كولومبيا، سواء كانت مجموعات سياسية أم إجرامية. في عام 2012، كانت مساهمة المناجم الشرعية 2.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في كولومبيا، أي ما يوازي 8.5 بليون دولار، لكن إحصاءات رسمية تشير إلى أن نصف المناجم العاملة في هذا البلد تعمل في شكل غير مشروع. ويقول الكولونيل خورخي روياس الذي يقود العمليات الأمنية في المنطقة إن «نشاط استخراج المعادن غير الشرعي يدر مالاً أكثر من الكوكايين». فثمن غرام الذهب الواحد هناك 27 غراماً، أما كلفة كيلوغرام الكوكايين فهي 965 دولاراً، وبيعه أصعب. هذه المنطقة الواقعة في شمال شرقي أميركا الجنوبية تعد من أقدم التشكلات الجيولوجية على كوكب الأرض، وهي غنية جداً بالذهب وأيضاً بمعدن «كولتان» المستخدم في التقنيات العالية. ووفق الكاتب رودريغو بوتيرو الذي وضع كتاباً بعنوان «طرق الذهب غير الشرعي»، فإن «السوق الدولية لمعدن «كولتان» كبيرة جداً، من «سيليكون فالي» في الولاياتالمتحدة إلى البرازيل». إزاء هذا الطلب، يتعاظم حجم النشاطات غير المشروعة في منطقة الأمازون الكولومبية التي تشكل نحو نصف مساحة كولومبيا، وخصوصاً في ظل غياب شبه تام لأجهزة الدولة. أما السكان المحليون، فلا يجدون سبيلاً آخر غير العمل مع المستثمرين غير الشرعيين، لعدم وجود بدائل عمل أخرى. ويتقاضى العامل منهم 500 دولار شهرياً، وهو مبلغ مرتفع في هذه المنطقة، لكن كلفته الصحية مرتفعة أيضاً، إذ إنهم يمضون أوقاتاً طويلة جداً في نهر يخلو من الأسماك ومظاهر الحياة الأخرى، بسبب التركز الكبير لمادة الزئبق السامة في مياهه، والناجمة عن عمليات استخراج الذهب. ويقول رودريغو بوتيرو: «ظروف العمل هذه أشبه ما تكون بالعبودية».