اقترع القبارصة الأتراك أمس، لانتخاب رئيس جديد لجمهوريتهم التي لا تعترف بها سوى أنقرة، في أجواء غلب عليها الهدوء والرتابة بعيداً من المناخ الحماسي الذي اعتاد أن يعيشها الشطر الشمالي التركي من قبرص في الانتخابات الرئاسية السابقة. وبدت نسبة المشاركة متدنية بين الناخبين الذين يبلغ عددهم 164 ألفاً، حتى ان بعضهم آثر الخروج للتنزه في هذا اليوم الربيعي، على التوجه الى صناديق الاقتراع. وسبب ذلك شعور غالبية الناخبين بالإحباط وتشاؤمهم من احتمال أن تسفر الانتخابات عن أي جديد يساعد في تسوية القضية القبرصية، وخروجهم من عزلتهم الدولية المفروضة عليهم منذ إعلان قيام «جمهورية شمال قبرص التركية» من طرف واحد العام 1983. كما ان استطلاعات الرأي الأخيرة اشارت الى ان فرص رئيس الوزراء درويش اروغلو تبدو شبه محسومة للفوز بالرئاسة للمرة الأولى، وربما من الدورة الأولى، اذ ان شعبيته لم تقلّ عن ال50 في المئة في كل استطلاعات الرأي التي أُجريت خلال الأسبوعين الأخيرين، على رغم وجود 6 مرشحين آخرين أبرزهم الرئيس الحالي محمد علي طلعت الذي تشير استطلاعات الرأي الى انه قد يحصل على نسبة 42 في المئة فقط، وأن حظه لن يكون كبيراً حتى اذا فشل اروغلو في الحصول على اكثر من نصف الأصوات في الدورة الأولى واحتكم الغريمان الى دورة ثانية بعد اسبوع. فطلعت الذي انتُخب قبل 5 سنوات، منهياً عقوداً من تفرّد الرئيس القومي السابق رؤوف دنكطاش في الحكم، كان يُعتبر الأمل الذي سيُخرج القبارصة الأتراك من عزلتهم وسينجح في التوصل الى اتفاق مع القبارصة اليونانيين يعيد توحيد الجزيرة المقسّمة ضمن اطار فيديرالي. لكن سنوات طلعت في الحكم مرّت سريعاً من دون نتيجة، فيما يلقي هو باللائمة على القبارصة اليونانيين اذ يؤكد انهم لا يبدون معنيين بالتوصل الى تسوية جدية، معتبراً ان زعماءهم يفضّلون استخدام هذه القضية بوصفها ورقة ضغط على تركيا في ما يتعلق بمسيرة انضمامها الى الاتحاد الأوروبي. ويشير محللون أتراك الى أن تغيّر مزاج الناخب القبرصي التركي ضد طلعت يحمل في طياته صرخة احتجاج على سير المفاوضات على توحيد الجزيرة، والتي لم تصل الى اي نتيجة منذ انطلاقها قبل نحو 40 سنة، معتبرين أنه طالما يرفض القبارصة اليونانيون التوصل الى تسوية، من خلال التفاوض مع رئيس يساري (طلعت) يبدي مرونة تُعتبر سابقة لإيجاد حلّ، خصوصاً أن أنقرة يهمها إغلاق الملف القبرصي، فإن الجانب التركي في قبرص سيزداد تعنتاً من خلال التصويت لمصلحة القومي درويش اروغلو الذي يطالب بحلّ كونفيديرالي يضمن سيادة الجمهورية القائمة حالياً في شمال الجزيرة. لكن اروغلو أكد خلال إدلائه بصوته استعداده لمواصلة المفاوضات مع القبارصة اليونانيين إذا فاز بالرئاسة، مشيراً الى انه لن يقاطعها. لكنه تحدث عن «تسوية مشرّفة» للقضية. ويشكك مراقبون في قدرة اروغلو على السير عكس المسار الذي تحدده أنقرة له، خصوصاً أنها المموّل الوحيد لحكومته والضامن السياسي والعسكري لمصالح القبارصة الأتراك.