حين كانت تُذكَر كلمة «خطيفة» منذ سنوات في لبنان، كانت تعني العار للأسرة وخروج الفتاة عن طاعة أهلها، واضطرار الزوجين للهروب من محيطهما الى مكان لا يعرفهما فيه أحد لئلا يكونا دائماً مضطرين لتبرير ارتباطهما. وارتبط مفهوم «الخطيفة» لأعوام كثيرة بالزواج المختلط بين الطوائف، وعدم رضى الاهل عن مثل هذا التقارب. لكن في أيامنا هذه بات للخطيفة معنى آخر تماماً، والسبب أنّ الخطيفة باتت مخرجاً لآلاف الشباب وبرضى أهلهم لئلا يُضطروا الى دعوة مئات الأشخاص وتكبّد المصاريف العالية لإقامة الحفل فقط. هكذا أصبحت الخطيفة تتمّ لأسباب مالية بحتة، والأهل «يتواطأون» مع أولادهم لتمرير الامر على الأقارب والاصدقاء الذين يبدأون بالتساؤل عن سبب الزواج بسرعة ومن دون توجيه أي دعوات، وعندها يكون الجواب أنّ الخطيفة كانت الحلّ الأنسب ليستطيع الزوجان تأسيس مستقبلهما مع ما يتطلّبه ذلك من تكاليف باهظة. المنزل أم حفل الزفاف؟ يصعب على الشباب، في ظلّ الأزمة الاقتصادية الراهنة، أن يجمعوا بين مشروعين مكلفين وهما تأسيس منزل وإقامة حفل زفاف يدعون إليه الأصدقاء والأقارب. فأقلّ تكلفة يمكن دفعها للحفل هي عشرة آلاف دولار أميركي، ويكون الزفاف متواضعاً جداً ولا يحمل أي إضافات، وهذا المبلغ يصعب تأمينه في ظلّ الرواتب المنخفضة وغلاء المعيشة. ولهذا السبب فإنّ استئجار منزل أو تأمين الدفعة الأولى لشرائه يُعتبر أولوية بالنسبة الى الشباب على حساب الاحتفال بالزفاف. ويشرح الشاب ناهي حيدر أنّه اضطر للاستغناء عن الحفل لكي يدفع ستة أشهر مسبقاً لاستئجار منزل وتأمين الأثاث والتجهيزات الالكترونية له، وقد تمّ الاتفاق مع أهل العروس للقول بأنّ العرس سيكون على شكل «خطيفة» ولو كان برضاهم، ما يخلّصهم من ألسنة الجيران والأقارب الذين ربما يرون الأمر من منظار البخل والتقشف. لكنّ ناهي يرى أنّ ليس هناك أحد يلتفت الى وضع الشباب في لبنان، وكلفة الاستقرار العالية، ما يدفعهم إما الى الاستغناء عن فكرة الزواج أو الاضطرار الى سلوك طريق الخطيفة لتجنّب المدفوعات. كما يردّ الشاب إيليا عطوي، الذي تزوّج بالطريقة نفسها على كلّ من يعتبر هذه الخطوة خاطئة بقوله إنّ حفلات الزفاف لم تكن مكلفة كما هي اليوم لأنّها كانت تُقام في المنازل وبالتعاون بين مختلف أفراد العائلة. أمّا اليوم فقد أصبحت هناك ضرورة للحجز قبل سنة تقريباً في المطعم وتأمين السيارات والازهار والتصوير والضيافة وغيرها الكثير من المتطلّبات. وحين يُفتح باب النقاش حول اتفاق العروسين على الزواج بطريقة الخطيفة، تتّجه الأنظار مباشرة الى العروس. فهل هي موافقة؟ وماذا عن اليوم الذي تنتظره كلّ فتاة خلال حياتها لكي تبدو بأجمل طلّة وتلبس الفستان الابيض؟ واقع الحال، أنّ الفتاة اللبنانية ذات الدخل المحدود رضخت بدورها للأمر الواقع، فإذا كان الشاب الذي أحبّته غير قادر على دفع تكاليف العرس ولا هي كذلك، فلا بدّ من إيجاد مخرج. وفي هذا السياق، تقول هناء المتزوّجة حديثاً من دون «طبل وزمر» كما تصف زفافها، إنّ الفتاة تجد نفسها أمام خيارين: إما أن تبقى مخطوبة لسنوات طويلة أو تؤسس عائلتها برفقة الشخص الذي تحبّ مع التضحية بحفل الزفاف الذي يبقى «فولكلورياً». وبالتالي، فإنّ الخطيفة أصبحت المخرج بالنسبة الى الشباب كما الفتيات، خصوصاً أنّه في الوقت الراهن لم يعد الشاب وحده يتحمّل التكاليف كلّها بل بات يتعاون مع خطيبته في الشؤون المالية لتأمين الحدّ الادنى المطلوب لتأسيس منزل زوجي. وتنظر الباحثة والمستشارة الاجتماعية جيهان عيسى نظرة إيجابية الى موضوع الخطيفة كما تنفّذ اليوم، والسبب وفق قولها إنّ الشباب اللبنانيين كانوا قد وصلوا الى مرحلة من المبالغة في حياة الرفاهية، وكلّ فتاة كانت ترغب بعرس الاحلام، ما رفع الاسعار كثيراً في السوق. وباتت غالبية المؤسسات المعنية تضع تكاليف باهظة أول ما تسمع بكلمة «زفاف»، وبالتالي يمكن هذه الظاهرة أن تعيد لفت الانتباه الى قيمة الزواج نفسه، أي جمع شخصين ليؤسسا أسرة واحدة، بدل الانجرار وراء المظاهر السطحية والتي لا يعود لها أي معنى في اليوم التالي للزفاف. من الناحية السلبية، ترى عيسى أنّ لجوء الشباب الى الخطيفة لأسباب مالية يمكن أن يقطع آخر الحبال التي تجمع بين الفئات الشابة وأسرهم وأقربائهم، إذ ان حفل الزفاف يجمع العائلة. فهناك اتجاه اليوم أكثر فأكثر نحو الفردية والاهتمام بالذات، خصوصاً أنّ الزواج على طريقة الخطيفة يمكن أن يشكّل عائقاً أمام الزوجين للاتصال مجدداً بأفراد الاسرة والأصدقاء خوفاً من ردّ فعلهم. وعلى رغم أنّ نسبة الاشخاص الذين يتزوّجون خطيفة ما زالت منخفضة نسبياً، أي تصل الى 14 في المئة وفق احصاءات غير رسمية ترد في الدراسات والابحاث الاجتماعية في لبنان، فيبدو أنّ العدد الى تزايد. وكلّما اشتدت الازمة الاقتصادية ستكون الخطيفة المهرب الافضل من نفقات العرس.