اتجه عدد كبير من الأكراد السوريين المقيمين في المهجر إلى إطلاق مواقع إلكترونيّة، باللغتين العربيّة والكرديّة، كمحاولة لرصد شؤون الأكراد السوريين الذين يبلغ عددهم حوالى ثلاثة ملايين نسمة، وفق إحصاءات غير رسميّة. فمنذ مطلع الألفيّة الثالثة وحتّى الآن، أطلقت عشرات المواقع الإلكترونية، فكان لها دور بارز ومهم في تغطية حوادث انتفاضة 12 آذار (مارس) 2004 التي شهدتها المناطق الكرديّة وامتدّت إلى حلب والعاصمة دمشق. كما غطّت هذه المواقع الإلكترونية مجريات الثورة السوريّة وتحوّلاتها. لكن، سرعان ما تناقص عدد هذه المواقع، وتوقّف الكثير منها، لأسباب مختلفة، كانعدام التمويل، أو حصول بعض أصحابها على اللجوء السياسي في البلدان الأوروبيّة، ذلك أن مهنة الإعلام، والعمل الصحافي، كانت ومازالت منتهكة من جانب بعض المتطفّلين والهواة، لتحقيق غايات شخصيّة. عامودا . كوم يرى الصحافي وصاحب أوّل موقع كردي سوري «عامودا. كوم» سيروان حاج بركو، أن المواقع الكرديّة «تمرّ بأزمة كبيرة، كونها تُدار في شكل شخصي، وبإمكانات مادية محدودة»، مشيراً إلى أنها «تبحث عن الميل السياسي الى هذه الجهة أو تلك أكثر من القيام بعمل صحافي مهني ومحترف». وكان «عامودا. كوم» انطلق في أيلول (سبتمبر) 2000 وتوقف في أواخر كانون الثاني (يناير) 2010. ويشير حاج بركو إلى أن الأحزاب الكردستانيّة الكبرى («الاتحاد الوطني»، «الديموقراطي الكردستاني»، «العمال الكردستاني») تحاول عبر المواقع الإلكترونية، المموّلة من جانبها، «إخضاع الرأي العام الكردي لهيمنة تأثيرها ونفوذها». ويقول إنه «لا يوجد حتّى الآن موقع إلكتروني كردي حصل على مردود مادي من اتخاذه الموضوعية والمهنية أساساً لعمله». في المقابل، يرى الكاتب والصحافي الكردي في جريدة «البيان» الإماراتية حسين جمّو، أنه «لا يمكن وضع المواقع الكرديّة في سلة واحدة، فلكل منها سلبياته وإيجابياته»، معتبراً أن موقع «مدارات كرد» يُعد من «المواقع الممتازة التي تسلط الضوء على جوانب من التاريخ الكردي الموثّق بطريقة أكاديميّة مقبولة»، مضيفاً: «هناك مواقع تراجع مستواها أخيراً، مثل موقع «كميا كُردا» (أي باخرة الكرد). ويعزو جمو ذلك إلى «إحجام بعض الكتّاب عن إرسال مقالاتهم إليه. والسبب الأهم، هو دخول أسماء جديدة في مجال الكتابة، من دون أن تتوافر لديها أدنى مقومات الكتابة وشروطها. وكثرة مثل هذه المقالات في المواقع الكردية، جعلت جزءاً كبيراً من القرّاء يحجمون عن تصفحها». ويشير إلى أن «هنالك مواقع تأتي بأخبار حصريّة وتقارير خاصة، إلا أن عدم المهنية هو مقتلها، ويجعلها أقرب إلى مواقع للهواة، على رغم طموح القائمين عليها إلى جعلها موقعاً تُنقل عنه الأخبار»، معتبراً أن موقع «ولاتي نت» يدخل في هذا السياق. ويلفت إلى موقع «الكردية نيوز»، معتبراً أن تجربته «لا غبار عليها من الناحية المهنية، لكنه توقّف بسبب معوقات مادية، إذ لا يمكن كتّابَ التقارير ومراسلي المواقع العملُ في شكل تطوّعي لفترة طويلة. إلا أنه في الفترة الأخيرة بدأت ألاحظ أن المواقع التي تنشر موادها باللغة الكردية هي أكثر تخصّصاً وغنى من تلك العربيّة». مشاكل تقنيّة يقول أنور دقوري، مدير موقع «كميا كُردا» الذي انطلق صيف 2005، إن غالبية المشاكل التي تعترضهم تقنيّة، «لأن الموقع، منذ انطلاقته، لم يحصل على تمويل يخوّله الاستعانة بتقنيين متخصّصين. بالإضافة إلى اعتمادنا على مراسلين متطوّعين، لعجزنا عن دفع رواتب صحافيين محترفين». ويحصر دقوري المشاكل الأخرى التي تعترضهم ب «عدم تقبّل الكثير من الأحزاب الكرديّة استقلاليّة الموقع الإلكتروني وحياديته في صوغ الخبر ونشره». ويشير إلى أن الموقع، ويعمل فيه خمسة أشخاص، حورب مرّات عدّة بسبب رفضهم «التحزّب والالتزام بقرارات الأحزاب الكردية السورية»، مؤكداً أن الموقع، لا يحصل على أي تمويل، وأن نفقاته يتحمّلها العاملون فيه. ويرى الكاتب والصحافي سالار أوسي، أنه «على رغم مرور سنوات على نشأة الصحافة الإلكترونية الكردية، فإنها لا تزال تعيش حالاً من التخبّط والفوضى والسطحيّة، وتفتقر إلى الأسس والقواعد المهنيّة شبه الغائبة في الصحافة الكرديّة المطبوعة والمرئيّة أيضاً». ويقول: «غالبية المواقع الإلكترونيّة الكرديّة لم تستطع أن تشكّل حالات خاصة مميّزة ومؤثّرة، إنما ظلت «نوافذ» ضيقة لا تفتح إلا للهواء الذي ينعش توجهات إداراتها السياسية (الحزبية)»، معتبراً أن بعض المواقع الثقافية «التي تزعم أنها مستقلة، لا يروق لأصحابها ما هو مستقلّ فعلياً». لكن، في المقابل، لا ينفي أوسي «ما وفرته هذه الصحافة من تفاعل ومتابعة ونقاشات، سياسية وثقافية واجتماعية بين شرائح المجتمع الكردي»، مستدركاً انه بسبب «غياب المهنيّة عنها، تحوّلت هذه المواقع غالباً إلى ساحات صراع في أشكال معيّنة، ما أظهر اصطفافات وتكتلات، من دون أن توجد تيارات ثقافية وفكرية في موازاة التيارات الحزبية المتصارعة». «تشاؤل»! يبدو الكاتب والصحافي إبراهيم حاج عبدي أقلّ تشاؤماً، إذ يرى أن المواقع الإلكترونية الكردية «لعبت دوراً مهماً في التعريف بالقضية الكردية والمحطات الدامية التي مرّت بها، كما ألقت الضوء على الثقافة والفن والتراث الكردية، وأظهرت ملامح من الحياة الاجتماعية والاقتصادية للأكراد». ويعتبر أن تأسيس موقع إلكتروني قياساً بإطلاق فضائيات أو صحف، ترك أثراً إيجابيّاً في الانتشار الواسع لمواقع إلكترونية عدّة، أوصلت الصوت الكردي إلى (الطرف) الآخر. ويختزل حاج عبدي ضعف أداء المواقع الكردية في «خضوعها لمزاج وسياسات الجهة المموّلة لها، إذ حوّل بعضها إلى مجرّد أبواق دعائية». ويستدرك قائلاً: «لا وجود للحرية الصحافية في شكل مطلق. بيد أن المواقع الكردية بدت فاقعة في موالاتها لهذه الجهة أو تلك، حتى لو جاء ذلك على حساب جوهر القضية الكردية». ويلفت في هذا السياق إلى ضعف الكوادر التي تدير المواقع الإلكترونية الكردية، «لذا نراها تعجّ بالأخطاء اللغوية، فضلاً عن الأخطاء على صعيد المعلومة والتواريخ والوقائع. ويمكن تلافي ذلك عن طريق إعادة تأهيل تلك الكوادر، أو الاستعانة بكوادر صحافية محترفة». فنيّاً، يرى حاج عبدي أن الجانب البصري «بدا متفاوتاً من حيث الجاذبيّة وقدرته على منح قراءة سلسة، ويتطلّب ذلك مراجعة تستند إلى خبرة في الجماليّات البصريّة، والألوان والخطوط المستخدمة في الحقل الصحافي، وضرورة انسجام القالب البصري، مع محتواه المنشور - المقروء».