«أتذكر عندما كان يتصفح «أفستا» خمسون زائراً كنت أشعر بالسرور وأقول ان هناك من يتابع ويقرأ ما أجهد به ليل نهار»، يقول الصحافي التركي - الكردي دلبخوين دارا، مؤسس مدير صحيفة « أفستا» الالكترونية، والذي يعمل في مجال الإعلام التلفزيوني والالكتروني منذ أكثر من 20 سنة. لكن واقع «أفستا» تغير خلال فترة وجيزة بعدما باتت مصدراً للمعلومات والأخبار لدى كبريات الصحف والتلفزيونات، بسبب اتخاذ «الجدية والمهنية مع الخبر والمعلومة، وعدم انزلاقنا نحو المناطقية في مقاربتنا لعملنا الصحافي»، يقول دارا المقيم في ألمانيا منذ سنوات طويلة. في مطلع عام 2000 أصدر دارا العدد الأول من نشرة «أفستا» في مدينة بون الألمانية. كان النشر يقتصر على اللغتين العربية والكردية، وكان هدف النشر بالعربية «الوصول الى الكتّاب الذين ينشرون بلغة الضاد وأولئك الأكراد الذين لا يجيدون القراءة بلغتهم الأم (الكردية)، بالإضافة الى مخاطبة القارئ العربي بلغته». كانت «أفستا» (اسم كتاب لزاردشت) تطبع على الورق وتوزع بريدياً على الأكراد والعرب في أوروبا، مع توزيع محدود في الشرق الأوسط. «كان عبئاً ثقيلاً علينا، إذ لم يخطر ببالنا من سيدعمنا ويموّلنا، فتوقفنا عن الإصدار بعد عشرة أعداد في ظل شح السيولة المالية وعدم تكفل أي مؤسسة كردية بدعمنا»، يقول دارا الذي لم يبق أمامه أي خيار سوى اللجوء الى الشبكة العنكبوتية، «وهذه الطريق أيضاً محفوفة بالعذاب والمشقة»، يقول دارا الذي كان يوصل الليل بالنهار بغية نشر النسخة الالكترونية في وقتها بما فيها من أخبار جديدة وجذابة. أما اليوم فإن موقع «أفستا» يصدر مرات عدة يومياً... حتى بات أحد أهم المواقع الكردية الإخبارية التي تعتبر مصدراً للأخبار ومتابعتها للأحداث أولاً بأول. وفي العام الماضي قالت مؤسسة alexa الأميركية، وهي مؤسسة كبيرة تضع الإحصاءات والأرقام حول مواقع الانترنت وعدد زوارها ان موقع صحيفة «أفستا» الكردي هو الأول من بين المواقع الكردية الذي يزداد زواره وقرّاؤه ومتصفحوه باطراد. إذ يبلغ عدد زواره حوالى 15 مليوناً شهرياً، باعتباره الموقع الالكتروني الكردي الأكثر متابعة واهتماماً. و «أفستا» صحيفة الكترونية عامة تهتم بالأخبار والصحف والمجلات وبوضع المرأة والحياة، مع إجراء حوارات صحافية، بالإضافة إلى معالجة الملفات الخاصة الساخنة والفيديو، مع تركيز واضح على كردستان، إلا انها بدأت تهتم أخيراً بالقضايا العالمية والإقليمية. يدير «أفستا» سبعة صحافيين متخصصين يتقنون لغات عالمية، كالانكليزية والعربية والتركية، والهولندية والاسبانية والألمانية. وخلال السنوات الأخيرة نجح موقع «أفستا» في تعزيز حضوره بين المواقع الالكترونية الموثوقة حتى صار مصدراً للكثير من المحطات التلفزيونية مثل cnntr وshow tv وa tv، وصحف «حرييت» و»ملييت» التركيتين، بفضل صدقية أخباره وجديتها، علماً ان هناك كثيراً من المواقع الالكترونية الكردية تنشط على الشبكة العنكبوتية مثل: «بيوك» و «بيامنير» و «كميا كرد» و «عامودا كوم» و «عفرين نيت» و «سوبارو» و «يك دم» و «بن خط» و «ازاديا ولات» و «يده جه كوندم» و «تيريج» و «هاولاتي»... وغيرها. لكن بعضها يفتقر إلى المهنية والحرفية ومواكبة العصر، فيما بعضها الآخر شغوف بالشعارات ودفع المتلقي الى الانزلاق نحو القوقعة والانطواء على الذات. يقول دارا: «اننا في أفستا لا نعد أنفسنا موقعاً الكترونياً متخصصاً بأكراد سورية أو تركيا أو العراق أو إيران»، معتبراً ان «أفستا» يهتم «بحال كل كردي ويسعى إلى أن يكون موقعاً الكترونياً للأكراد جميعاً أينما كانوا». ويلاحظ دارا ان المشهد الإعلامي الكردي لم يتطور «وما زال أسيراً للأيديولوجيات والسياسات التي كانت سائدة في ثمانينات القرن الماضي ولم ترتق أية صحيفة كردية الى مستوى مهم». ويرى ان عدم وجود سوق للإعلام (الكردي) يجعله إعلاماً حزبياً ضيقاً. «فالأحزاب تدير تلك الصحف والمواقع على طريقتها الحزبية، وهناك الكثير من المواقع الفاعلة في المشهد الإعلامي الكردي هي مواقع الأحزاب. والاحزاب تضع حدوداً لإعلامها وهذا سبب في عدم التطور والتقدم». وهو يعتبر ان «الإعلام الحزبي... فاشل. إذ ثمة في أوروبا الكثير من المواقع والصحافة تدعم هذا الحزب أو ذاك (...) ومع الأسف تضع الأحزاب الكردية يدها على الإعلام وتديره بحسب ميولها ومصلحتها السياسية، ولهذا نرى ان صحافتنا (الكردية) لا تلعب دور مرآة الواقع». ويرى دارا ان الموقع الكتروني إن لم يحقق فوائده وعوائده «فإنه في النهاية سيكون من عمل الهواة». ويضيف: «إننا نفتقر الى الجدية والمهنية على رغم ان دور الصحافة الكترونية يزداد باتساع، متجاوزاً الصحافة المطبوعة وحتى التلفزيون (...) والفراغ الذي لا تسدده المحطات التلفزيونية والصحافة المكتوبة ستغطيه مواقع الصحافة الكترونية».