مع ازدياد النشاط العقاري في تونس، شهد قطاع المقاولات أزمة في التزود بالإسمنت. وأدّت ندرة هذه المادة الأساسية إلى تعثر بعض ورش البناء أو خفض وتيرة عملها. وشكا مقاولون من تجدد أزمة الإسمنت في مثل هذه الفترة من كل سنة، لكن تاجر مواد بناء عزا في تصريح إلى «الحياة»،سبب فقدان هذه المادة من السوق المحلية إلى «كثافة تصدير الإسمنت المحلي إلى الجزائر وليبيا». يذكر ان في تونس سبعة مصانع إسمنت، بينها واحد فقط متخصص بتصنيع الإسمنت الأبيض، وتنتج أكثر من 25 ألف طن يومياً، أي 7.3 مليون طن في السنة وفق إحصاءات رسمية. وأوضح مصدر في وزارة الصناعة أن الإنتاج المحلي «يكفي لتغطية حاجات السوق المحلية، إضافة إلى فائض يُقدر ب 30 في المئة يُصدر إلى البلدين المجاورين». وربط ندرة الإسمنت إلى «زيادة غير معهودة في الطلب قدّرتها الوزارة ب 9 في المئة، بسبب كثافة العمل في المشاريع العقارية إثر حلول فصل الربيع». إلا أن المسؤولين عن ورش البناء يخزنون كميات من الإسمنت تزيد على حاجتهم خشية فقدان هذه المادة، ما أدى إلى تفاقم أزمة التسليم وارتفاع الأسعار بنسبة 20 في المئة. وساهم المحتكرون في تعكير الوضع بتخزين كميات من الإسمنت في هذه الفترة، وهم يعلمون أن الطلب يتزايد خلالها. وعزا خبراء مستقلون الأزمة إلى تخلي الدولة عن خمسة مصانع إسمنت، بيعت نهاية القرن الماضي من مجموعات إسبانية وإيطالية وبرتغالية. وأوضحوا أن أصحاب المصانع لا يُنسقون لتحديد فترة الصيانة المتزامنة مع هذه الفترة من السنة، فيما كانت الوزارة المعنية قبل التخصيص، توزع فترات الصيانة بين المصانع على نحو يضمن استمرار تموين السوق. وأشاروا إلى أن ارتفاع سعر كيس الإسمنت في الجزائر (نحو 11 دولاراً) قياساً إلى سعره في تونس (5 دولارات)، يحفز أصحاب المصانع على إعطاء الأولوية للتصدير. واعتبروا أن تونس هي أحد البلدان القليلة في جنوب المتوسط، التي تعرض سعراً يقل 30 في المئة فقط عن متوسط سعر كيس الإسمنت في المنطقة المتوسطية. وأشارت توقعات رسمية إلى نمو الطلب على الإسمنت بنسبة 4.5 في المئة سنوياً في المديين المتوسط والبعيد، مع ارتفاع استثنائي ب7 في المئة عامي 2013 و2014، بسبب انطلاق العمل في ثلاثة مشاريع عقارية عربية كبيرة في ضواحي العاصمة تونس، هي المدينة الرياضية التي تعهدت مجموعة «بوخاطر» الإماراتية إنشاءها، ومرفأ تونس المالي الذي تنفذ أشغاله مجموعة عصام الجناحي البحرينية، ومدينة الورود في ضاحية أريانة. وفي هذا السياق أُفيد بأن ثلاثة مصانع اسمنت جديدة هي قيد الإنشاء، الأول باستثمارات محلية وسينتج 5800 طن من الكلينكر في اليوم، والثاني في إطار شراكة بين «مؤسسة الفوسفات» في محافظة قفصة (جنوب) ومجموعة «أريكام» الإسبانية وسينتج 2800 طن في اليوم، والثالث في القيروان باستثمارات من مجموعة «برازا» الإسبانية التي سبق أن اشترت مصنعاً عاماً لإنتاج الإسمنت الأبيض. وأدرجت المجموعة الإسبانية أخيراً مصنع الإسمنت الذي اشترته في السوق المالية فحصدت 100 مليون دينار (80 مليون دولار)، ما سيساعدها على رفع طاقة الإنتاج من 900 ألف طن في السنة حالياً إلى 1.6 مليون طن عام 2013. وعلى رغم ذلك، يُخشى من عدم قدرة هذه المصانع على تلبية الطلب المتزايد على الإسمنت في السنوات المقبلة، ما ينعكس ارتفاعاً في أسعار العقارات المبنية.