لا شك أن استهداف القائد العام ل«جيش الإسلام» زهران علوش ونائبه وعدد من مساعديه، وقادة من «أحرار الشام» و«فيلق الرحمن»، شكل ضربة موجعة للمعارضة المسلحة في سورية. فهذه العملية، تحاكي ما حدث مع قادة «أحرار الشام»، في أيلول (سبتمبر) العام الماضي. درس زهران علوش بكلية الشريعة في جامعة دمشق، وأكمل دراسته في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. عاد إلى سورية، وعمل في مجال المقاولات. اعتقله النظام عام 2009 بتهمة حيازة أسلحة حربية. سجن في صيدنايا، ومعه مئات الإسلاميين. أفرج عنهم النظام في حزيران (يونيو) عام 2011 بعفو رئاسي. رمزية زهران علوش كما يحدثنا أحد الذين سجنوا معه في صيدنايا، تعود إلى السجن، فالشيخان علوش وحسان عبود تصدرا الدعوة داخله، وكانا يمثلان المرجعية لكل الإسلاميين هناك. فور خروجه من السجن انخرط في العمل المسلح. أسس تشكيلاً صغيراً أطلق عليه «سرية الإسلام». تطور ليصبح «لواء الإسلام». وهو أول فصيل التقيته في سورية، حين ذهبت إلى الغوطة عام 2012، وأعددت بعض التقارير عنه. كان «لواء الإسلام» عضواً مؤسساً في «تجمع أنصار الإسلام» الذي أسس عام 2012، وهو أول تجمع لفصائل عدة في سورية. وقد ضم «لواء الإسلام» بقيادة زهران علوش، و«كتائب الصحابة»، و«لواء الحبيب المصطفى»، و«لواء أحفاد الرسول»، و«لواء الفرقان»، و«كتائب حمزة بن عبد المطلب». سرعان ما عصفت الخلافات بين هذه الفصائل، فانفرط عقد التجمع. خرج زهران علوش وبدأ يعمل على تأسيس «جيش الإسلام». وصل عدد الكتائب المنضوية فيه إلى نحو خمسين فصيلاً. فيما ناهز عدد عناصره العشرين ألفاً. استطاع علوش أن يفرض نفسه لاعباً أساسياً ضمن المجموعات المسلحة في سورية، إن من ناحية العديد أو العتاد، أو العمليات النوعية التي قام بها، أو من جهة تمركزه على أبواب العاصمة السورية دمشق. أحكم قبضته على الغوطة الشرقية على نحو كامل، بعد تصفية الكثير من الفصائل المنافسة له وفي مقدمها «جيش الأمة»، ومنع «داعش» من التمدد إلى الغوطة، وحذر «جبهة النصرة» من القيام بأي هجوم من دون التنسيق معه. عولت عليه بعض القوى الإقليمية. سعت في البداية وبحسب مصادر مقربة من علوش أن يكون الرجل وجيشه هم من يسيطروا على العاصمة دمشق في حال سقط النظام؛ فيما بدأت تسوّق لاحقا في المحافل الدولية، بأن يكون جيشه جزءاً من الفصائل المسلحة التي يمكن التعويل عليها في محاربة الإرهاب؛ وبأن يكون أحد التشكيلات العسكرية التي ستندمج مع عناصر الجيش السوري حين تبرم التسوية الكبرى، لهذا كانت هناك قواعد لعبة خفية بينه وبين النظام، تجلت في أكثر من مكان، وساهمت في إرسائها البورجوازية الدمشقية. قيادة زهران ل«جيش الإسلام» أثارت جدلاً واسعاً بين مؤيد له ومعارض. أبرز الانتقادات التي كانت توجه له بحسب قيادي في شباب الحراك الثوري، هي: أولاً: رفض زهران الاحتكام للديموقراطية، وقد عبر عن ذلك على نحو واضح في خطبته الشهيرة حين قال إن الديموقراطية تحت قدمي. ثانياً، إدارته الغوطة في شكل ديكتاتوري، وإقامة سجون أمنية على غرار النظام، وعدم اعترافه باختطاف عدد من الناشطين، على رغم أنهم اختطفوا في المناطق الخاضعة لسيطرة جيشه. ثالثاً: قتل عدد من قادة الكتائب على رغم ما قدموه للثورة والناس، كقائد جيش الأمة أبو علي خبية، وأبو بشير الأجوة شريكه في إنشاء جيش الإسلام (حيث اتهمه بالتجارة بالمخدرات، لكن السبب الحقيقي كما يقول أحد قادة المعارضة المسلحة في الغوطة هو ارتباط الأجوة بغرفة ال«موك» في الأردن وحصوله على دعم قد يهدد تفرد جيش الإسلام بالغوطة ويؤدي إلى تهديد دمشق على نحو جدي، الأمر الذي يكسر قواعد اللعبة بين علوش والنظام). رابعاً: عقد اتفاقيات مع النظام كاتفاق مدينة عدرا الصناعية واتفاق حماية مطار دمشق. والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا قتل زهران علوش في هذا التوقيت؟ وهل سيؤدي استهدافه إلى تفكك جيش الإسلام؟ يقول أحد قادة جيش الإسلام: «استهداف الشيخ لم يكن بالأمر الصعب، وكل أهالي الغوطة يعرفون ذلك. فقد كان يتنقل في شكل مستمر وعلى نحو علني، وكان يخطب في المساجد، وكان يشرف على دورات التدريب وتخريج العناصر، وكان يشارك في المناسبات. لكن في تقديرنا، الهدف من اغتياله هو خلط الأوراق من جديد، وإعادة الأوضاع إلى المربع الأول. فالروس يعلنون تبنيهم للحل السياسي في الإعلام، لكنهم يعملون على نسفه عملياً وجعله مستحيلاً على الأرض. فموسكو تسعى إلى تغيير المعادلات الميدانية لصالح النظام، لأن ميزان القوى الحالي سيدفعهم إلى التنازل السياسي، وهم يرون أنهم ليسوا مضطرين لذلك، وما زالت الفرصة العسكرية سانحة لتعديل الخريطة الميدانية. فالهدف الأساس للروس هو ربط طرطوس بحمص والقلمون والسيطرة على خمسة وعشرين كلم على الأقل من محيط العاصمة دمشق، وهو ما فشل في تحقيقه من قبل النظام السوري والإيرانيون وحزب الله». وما لم يتحقق ذلك، فإن التسوية لن تحصل. وبرأي هذا القيادي ف»إن الأميركيين على ما يبدو اتفقوا مع الروس وأعطوهم الضوء الأخضر لتنفيذ ذلك، من خلال قرار مجلس الأمن 2254 الفضفاض والواسع والمتجنب لأي إدانة للجرائم الروسية». وعلى هذا، فإننا نرى أن قتل زهران علوش أهم قيادي للمعارضة في سورية، يهدف إلى توجيه رسالة واضحة للفصائل المسلحة والقوى الإقليمية الداعمة لها، بأن لا خط أحمر أمام موسكو، وإن عليهم أن يحسموا خيارهم، فإما الانخراط في ركب التسوية الدولية التي ترسمها بدقة القوى الكبرى، وإما أن يجري شطب هؤلاء القادة الميدانيين من المشهد العسكري، وتوجيه ضربات قوية لفصائلهم. وفي هذا السياق، فإن الأيام المقبلة قد تشهد المزيد من هذه العمليات التي تهدف إلى إزاحة كل من يقف عقبة في وجه الحل السياسي الذي يطرحه الروس (وقد بات يحظى على ما يبدو بموافقة أميركية). فروسيا لا تتحمل حرباً طويلة الأمد، بسبب تردي وضعها الاقتصادي؛ وأميركا وعدد من الدول الغربية باتت ترى أن الخطر الأكبر هو «داعش»، وبالتالي يجب الإسراع في إبرام التسوية بين النظام والمعارضة، والتفرغ لقتال «داعش». ومن الواضح أن زهران كان يشكل عقبة واضحة أمام الروس، حيث كان يعارض رؤيتهم لحل الأزمة، ورفض تسوية الغوطة التي اقترحها الضباط الروس، وتمسك بالهوية الإسلامية للدولة، وعارض بقاء بشار الأسد في السلطة لمرحلة انتقالية، واتُهم بمهاجمة السفارة الروسية في دمشق. مصادر مقربة من «جيش الإسلام» وعلى رغم إقرارها بأن الضربة كانت موجعة، إلا أنها تستبعد في الوقت نفسه أن تؤدي إلى تفككه أو انهياره. فمن الناحية العسكرية، يقود جيش الإسلام مجلس قيادة موحد أسس منذ شهرين ونصف، ومعظم أعضائه على الجبهات وما زالوا أحياء. أما من جهة الإدارة السياسية، فلا شك أن علوش وعلى رغم تمتعه بشخصية كاريزماتية وحازمة، إلا أنه كان يعتمد على مستشارين داخل البلاد وخارجها في إدارة شؤون الجيش ورسم توجهاته السياسية. وكان يرافقه ويشاركه الاجتماعات والمشاورات القائد العام الجديد أبو همام البويضاني.